صبيحة أمس الخميس، 26 ديسمبر، فقد الفكر العربي أحد رموزه ورجالاته، المفكر الدكتور محمد جابرالأنصاري، الذي رحل مخلفًا إرثًا نيرًا من العطاء الفكري والثقافي والمعرفي، ومشروعًا فكريًا اشتغل على تثبيته بجدارة الباحث المفكر على مدى عقود من البحث والتأليف والإسهام في الندوات، والمؤتمرات، والمحاضرات التي ستبقى بعد هذا الرحيل، إرثًا ثريًا يغني الساحة الفكرية والمكتبة العربية، فيما ستبقى أسئلته الجريئة ورؤاه النقدية المعمقة حاضرةً في ذهنية الفكر العربي والإسلامي.بدأ الراحل الأنصاري حياته الفكرية مشغولاً بهم أمته، فراح يبحث عن مواضع الخلل برؤى نقدية موسوعية ذات أبعاد ثقافية، وأدبية، وسياسية، واجتماعية، واقتصادية.. ليتمكن من صياغة وتشكيل مشروعه الفكري، وقراءة الواقع العربي ومواضع الخلل فيه، وليجلي تلك الرؤى والأفكار في كتاباته ومؤلفاته التي خلقت منه شخصية فكرية على مستوى الوطن العربي. انطلق المفكر الأنصاري مما وجده خللاً بنيويًا، قال عنه في أحد حواراته: «وجدت أن البنى المجتمعية العربية - في تشكيلاتها المواربة والمخادعة بين مكونات التاريخ المقيم ومظاهر التحديث الوافد - ما زالت أبعد ما تكون في وعينا عن دائرة الضوء والتشخيص المعرفي»، هذا الوعي حذا بالانصاري لاستنتاج أن «هناك قاعدة مجتمعية عريضة في القاع السوسيولوجي العربي لمختلف مجتمعاتنا العربية، تعيد إنتاج العلاقات المجتمعية من هذه القاعدة إلى القمة التي لا يمكن إلا أن تتأثر بها وتضخع لاعتباراتها، الأمر الذي تطلب تطوير القاعدة قبل الانقلاب على القمة»، لكنه يوضح أن المجتمعات العربية، ذات النزعة الانقلابية التي سادت منذ نكبة فلسطين عام 1948 «ركزت على حتمية تغيير القمة، قمة النظام السياسي باعتبار ذلك وسيلة الخلاص الأولى، غير مدركة أن التغيير الحقيقي لا يمكن أن يتأتى إلا بتطوير القاعدة وغييرها في نهاية المطاف».في سياق هذا الوعي، مارس الأنصاري اشتغاله الفكري مفككًا المفاهيم، ومحللاً بنى الواقع الاجتماعي، والثقافي، والسياسي.. فكتب «تجديد النهضة باكتشاف الذات ونقدها»، و«تكوين العرب السياسي ومغزى الدولة القطرية»، و«التأزم السياسي عند العرب وسوسيولوجيا الإسلام»، بالإضافة لكتاب «العرب والسياسة: أين الخلل»، و«الفكر العربي وصراع الأضداد»، و«تحولات الفكر والسياسة في الشرق العربي»، كما كتب عن «لمحات من الخليج العربي»، و«الخليج العربي وإيران»، و«الحساسية المغربية والثقافة المشرقية».. وغيرها من المؤلفات والكتابات ذات المناحي الفكرية، والثقافية، والنقدية.في هذه القراءة الاستطلاعية، نسلط الضوء، بشكل مقتضب، على أثر هذا المفكر الكبير، والدور الذي أداه على الصعيد الفكري والثقافي، مستعرضين شهادات لأدباء وكتاب وباحثين بحرينيين عايشوا الأنصاري، وقرأوه قراءة متأنية مكنتهم من فهم الواقع وتحدياته، لينيروا على جانب من هذه الخسارة، وكيف يعيدون قراءة الأنصاري في ظل غيابه، ويستكشفون أبعاد إرثه، والدور الذي لعبه وسيلعبه هذا الفكر في المشهدين الثقافي والفكري.خليفة: خسرت صديقًا حميمًا امتاز بذهنية تحليلة فذةالشاعر علي عبدالله خليفة أكد أن «رحيل الأنصاري خسارة لا تعوض للبحرين والفكر العربي»، مشيرًا إلى علاقة الصداقة التي ربطته بالراحل، وبالعديد من المشاريع الفكرية والثقافية بينهما، ليشدد على أنها «خسارة شخصية ليّ، فقد خسرت صديقًا حميمًا جمعتنا علاقة ودّ وتناغم فكري وأدبي وفني.. اشتبك فيها العام بالخاص، فكان موجهًا ليّ منذ بدأت نشر نتاجي الشعري الذي تولى تحليله والتعريف به خلال سبعينيات القرن الماضي»، وتابع «ارتبطت حياتي الأدبية بالعديد من المواقف التي برز خلالها الراحل العزيز موجهًا وداعمًا في جو من الصفاء الرفاقي النبيل الذي لم تشبه شائبة قط».ولفت خليفة بأن الأنصاري «تميز بذهنية تحليلية صافية، وببعد نظر في الرؤى، تناول من خلاله مشروع الفكر العربي وتأزماته عبر العديد من المراحل التاريخية، فكان صافي الذهن، عميق التفكير في كل ما أنتج ونشر على نطاق واسع».عقيل: فقدنا واحدًا من أبرز رموز الفكر والتنويربدوره، أكد الكاتب والروائي عبدالقادر عقيل أن الساحة الثقافية والفكرية في البحرين والعالم العربي «فقدت واحدًا من أبرز رموز الفكر والتنوير»، مؤكدًا أن الأنصاري «كان علمًا من أعلام التجديد، عرف بأفكاره التي أنارت مسارات الحياة الثقافية والسياسية والاجتماعية، وبإسهاماته التي شكلت نقطة تحول في الفكر العربي المعاصر، حيث أولى قضايا التحديث، والتنمية الفكرية، والحوار الثقافي اهتمامًا خاصًا، وجعل من أفكاره نبراسًا لتأسيس حركة تنويرية في البحرين، هدفها ترسيخ قيم الحرية، والديمقراطية، والتعددية الثقافية».ولفت عقيل إلى أن الأنصاري «كان روحًا متقدة، تسعى إلى صياغة وجدان مجتمع متطلع للتقدم الفكري والثقافي»، مؤكدًا بأنه «ترك إرثًا فكريًا خالدًا يلهم الأجيال، ويحيي فيهم طموح السعي نحو النهضة والابتكار»، حيث كان «صوتًا عاقلاً يدعو إلى الحوار بين الثقافات والأديان، مؤمنًا بأن التعايش السلمي أساس بناء المجتمعات المستقرة والمزدهرة».نجم: الأنصاري رمزٌ من رموز الثقافة والفكرالدكتور راشد نجم، رئيس أسرة الأدباء والكتاب، ارتأى في هذا الرحيل «رحيلاً لقامة فكرية عالية الثقافة، رصينة الطرح، ممنهجة النقد والتحليل، مقنعة في الاستنتاج والتأويل»، ليلخص هذا الرحيل بـ«فقدان رمز من رموز الثقافة.....لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه