بشكل متسارع ومفاجئ سقطت المدن السورية تباعاً وصولاً إلى العاصمة دمشق، وبسطت الجماعات المسلحة سلطتها، وغادر الرئيس بشار الأسد البلاد بعد حكم دام 24 عاماً. هذا التحول الدراماتيكي جعل المشهد السوري والإقليمي يدخل مرحلة جديدة وخطرة، ويفتح الباب أمام المجهول، نظراً للمصالح المتعارضة للجماعات المسلحة من جهة، ومصالح القوى الإقليمية والدولية التي ستتصادم على الجغرافيا السورية امتداداً للدول المجاورة التي بدأت تشعر بالقلق، خصوصاً في العراق والأردن، إزاء ما يجري على الساحة السورية.
كان مثيراً للانتباه أن الجيش السوري لم يقم بمواجهة فعلية منذ اللحظة التي بدأت فيها الجماعات المسلحة تحركها في محافظتي حلب وإدلب، كما أنه انسحب من مواقع عديدة من دون قتال، وسلّم العاصمة تسليم اليد. واللافت أكثر أن روسيا كان تدخلها العسكري رمزياً وعلى استحياء، وكذلك قوات الحرس الثوري الإيراني التي قيل إنها انسحبت يوم الجمعة الماضي، مع القوات الرديفة الأخرى التي لعبت دوراً حاسماً في معارك حلب وأرياف دمشق والقلمون وحمص عامي 2016 و2017، ما فتح باب التساؤل حول هذا الانقلاب المفاجئ الذي ترك الساحة أمام الجماعات المسلحة، المصنفة إرهابية بقيادة «جبهة النصرة» للسيطرة على مقاليد الأمور.
هكذا هبط إسلاميو ومعارضو الحكم في سوريا من عالم النظريات والشعارات إلى أرض الواقع ليبسطوا سلطتهم ويعيدوا تشكيل الصورة في المنطقة، وكأن «الفوضى الخلاقة» التي بشرت بها وزيرة خارجية الولايات المتحدة السابقة كونداليزا رايس عام 2006، تعود بنسخة جديدة، رغم أن الإدارة الأمريكية نفضت يدها مما جرى، وأعلنت أنها تراقب الوضع من كثب، وأن أولويات الولايات المتحدة تتمثل حالياً في ضمان ألا يشجع النزاع الحالي على عودة ظهور تنظيم داعش.
لكن، ما يثير القلق والمخاوف أيضاً، أن إسرائيل كانت الأكثر تفاعلاً تجاه ما يجري في سوريا، إذ عمدت حكومة بنيامين نتنياهو إلى عقد اجتماعات متواصلة طوال الفترة الماضية، وفي اللحظة التي أعلن فيها المسلحون دخول دمشق، كانت القوات الإسرائيلية في الجولان السوري المحتل تتحرك متجاوزة السياج الحدودي داخل الأراضي السورية، وترسل تعزيزات عسكرية كبيرة، وتحتل المنطقة العازلة.
وإذا كانت المعارضة السورية أعلنت في بيانها الأول «عهداً جديداً»، وتعهدت بالحفاظ على المؤسسات باعتبارها ملكاً للشعب السوري، وأن «سوريا الجديدة ستكون دولة القانون التي تضمن الكرامة والعدالة وتعكس طموحات الشعب»، فإن المشهد السوري لا بد أن يعيد تشكيل المشرق العربي، وستكون له تداعيات إقليمية، لاسيما أن عودة الإسلام السياسي المعادي لمعظم الدول العربية سوف تنعكس حكماً على مجمل النظام العربي.
ما جرى من تطورات متسارعة خلال الأيام القليلة الماضية يطرح الكثير من التساؤلات حول مستقبل مصالح وعلاقات العديد من الدول، خصوصاً روسيا التي لها قاعدتان، بحرية في طرطوس وجوية في حميميم، ولها علاقات مميزة واستثنائية مع دمشق، وكذلك بالنسبة لإيران التي كانت تربطها علاقات خاصة مع الأسد، إضافة إلى العراق الذي تربطه مع سوريا حدود بطول أكثر من 600 كيلومتر، ومخاوف من عودة الجماعات الإرهابية إلى منطقة البادية، كذلك لا بد من الأخذ في الاعتبار العلاقات بين فصائل المعارضة والأكراد واحتمالات الصدام بينهما. لكن من الواضح أن تركيا الآن هي المستفيد الأكبر مما جرى، نظراً لارتباط هذه الفصائل بها.
لكن، بعد كل الذي جرى، من المهم المحافظة على أمن الشعب السوري وحمايته، والمحافظة على سيادة سوريا ووحدة أراضيها ورفض التدخلات الخارجية، وعدم الوقوع في فخ الفتنة والتقسيم. فيما دعت جامعة الدول العربية إلى العمل على استكمال عملية الانتقال السياسي على نحو سلمي وشامل وآمن.