الآن، وبعد أن دخلت سوريا مرحلة جديدة، لم يعد مهماً كيف انتهت مرحلة الأسد، المهم أن تبقى سوريا كياناً متماسكاً، وأرضاً موحدة، وركناً لا غنى عنه في مواجهة المخاطر التي تعصف بالمنطقة، والأهم أن يدرك السوريون أن وحدتهم هي الضمانة الوحيدة لإنقاذ بلدهم. دولة الإمارات حددت موقفها بوضوح مما يجري، إذ أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، في اتصال هاتفي مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، أمس، حرص الإمارات على «وحدة سوريا وسلامتها وسيادتها، وضمان الأمن والاستقرار فيها، ودعم كل ما يحقق تطلعات شعبها الشقيق نحو الاستقرار والتنمية» كما أكد الجانبان «أهمية تغليب لغة الحوار في سوريا خلال هذه المرحلة، إضافة إلى ضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة الوطنية السورية وعدم تعريضها للخطر».
هذا الموقف أعلنته أيضاً وزارة الخارجية التي أكدت «الحرص على وحدة سوريا وسلامة الدولة الوطنية، وضمان الأمن والاستقرار للشعب السوري، وعدم الانزلاق نحو الفوضى وعدم الاستقرار».
وعندما يعلن الدكتور أنور قرقاش المستشار الدبلوماسي لصاحب السمو رئيس الدولة «أن تغييرات جيوسياسية إقليمية هائلة تستدعي التمعن والحكمة والحوار للخروج من دائرة الفوضى والعنف»، مؤكداً أنه «يجب عدم السماح للأطراف غير الحكومية استغلال الفراغ السياسي»، مشيراً إلى أن «مبعث القلق الرئيسي هو التطرف والإرهاب»، فهذا يعني أن هناك استشعاراً بخطر حقيقي جراء ما يحدث في سوريا، وأن هناك أسئلة صعبة تنتظر الإجابة عنها، ليس بخصوص سوريا فقط، وإنما جراء تداعيات ما يمكن أن يحصل هناك على أوضاع المنطقة العربية عموماً.
لا شك أن سوريا عانت خلال السنوات الأخيرة فشلاً سياسياً، وقد أدى هذا الفشل إلى اضطرابات مسلحة، وخروج العديد من المناطق عن سيطرة السلطة، مع ما رافقها من تدخلات خارجية، كان أخطرها دخول تشكيلات متنوعة من المتطرفين والإرهابيين إلى داخل سوريا وسيطرتهم على مناطق واسعة من شمال البلاد وشرقها.
من الأسئلة المطروحة الآن، من سيتولى السلطة بعد الذي حصل؟ هل الجماعات المسلحة إياها التي دخلت المدن، ومن بينها مجموعات من المتطرفين الذين لا يجمعهم جامع؟ وهل تستطيع هذه المجموعات التي تنتمي بأكثريتها إلى الإسلام السياسي إقامة نظام سياسي ديمقراطي تعددي بديل يجمع السوريين ويوحدهم، ويحقق أحلامهم بالتغيير المنشود؟ ومن سيمسك بالقرار السياسي والاقتصادي والأمني في البلاد، وأي نظام سيُعتمَد لإدارة شؤون البلاد والعباد؟
وما ضمانات عدم الدخول في حروب أهلية داخلية ضد جماعات عرقية ومذهبية في شمال شرق سوريا وعلى الساحل؟ وكيف يمكن تخليص سوريا من الاحتلالات الأجنبية المتمثلة في قواعد عسكرية برية وبحرية وجوية في الشرق والغرب والوسط تقوم بحماية مصالحها وحلفائها؟ ثم كيف يمكن مواجهة استغلال إسرائيل لما يجري، باحتلال أراضٍ سورية جديدة في مرتفعات الجولان المحتلة واستغلالها الفوضى الراهنة للقيام بهجمات جوية واسعة على مختلف المنشآت والمؤسسات العلمية والمطارات في مختلف المناطق السورية؟ وكيف ستكون علاقاتها مع دول الجوار العربية؟
قد تمضي أيام كثيرة قبل معرفة الجواب عن هذه الأسئلة وغيرها، وقد تكون أمام السوريين فترة عصيبة من الانتظار، لكن المشكلة أن الأمر لن يكون متروكاً للسوريين وحدهم، بل قد يتدخل كل العالم، في كل صغيرة وكبيرة، في حين يبقى الشعب السوري ينتظر الحلم بالتغيير المنشود.
الدكتور أنو قرقاش اختزل المشهد بقوله «الصورة في ما يتعلق بسلامة أراضي سوريا لا تزال ضبابية للغاية.. وإن علينا أن ننتظر ونرى ما سيحدث في سوريا لاحقاً».