رغم ابتعادها منذ نحو ربع قرن عن الأعمال الفنية، باستثناء مسرحية وحيدة، لا يزال وهج نجومية أسطورة الاستعراض المصرية شريهان لم ينطفئ، بل يزداد بريقه حتى في غيابها، وكأنه إثبات على أنها نجمة غير عادية، ولا تزال محبوبة الجماهير رغم مرور السنين. وفي عيد ميلادها الستين، الذي يوافق اليوم 6 ديسمبر (كانون الأول)، نسترجع محطات عديدة في حياة شريهان، أغلبها تضمن تجارب قاسية، وأحزاناً غير عادية، لكنها تغلبت عليها جميعاً، وكأنها تصنع عالماً من الأمل أمام جمهورها في كل محنة.
أزمة نسب بدأت معاناة شريهان منذ طفولتها، حيث كانت قضية نسبها لوالدها أول صفحة حزن تفتحها في حياتها، فوالدتها السيدة عواطف هاشم تزوجت في سن صغيرة من مدير التصوير أحمد خورشيد، وأنجبت منه أبناءها جيهان وعمر، وبعد أن تزوج عليها انفصلت عنه.
بعدها تزوجت عرفياً من رجل آخر، وهو أحمد عبد الفتاح الشلقاني، لتحمي ابنها عمر خورشيد من زوجها الأول من الالتحاق بالتجنيد، نظراً لكونه مريض بمرض نادر يستلزم علاجاً دائماً، فاضطرت للزواج عرفياً، ثم أنجبت شريهان ولم تبلغها بالحقيقة.
وأوضحت أنها عرفت بأن والدها هو أحمد عبد الفتاح الشلقاني، وهي في عمر 11 عاماً، وفي اليوم الذي اعترفت فيه والدتها بالأمر أخبرتها أنه توفي، فلم تستطع أن تلتقي به كوالد لها، بل بدأت رحلة إثبات نسبها بعد رحيله. واعترفت شريهان في لقاء تلفزيوني أنها في هذه الفترة كانت تلوم والدتها كثيراً، وغضبت منها، بل كانت تكرهها أحياناً، حيث دفعت ثمناً لم يكن يجب أن تدفعه. فإذا كان شقيقها مريضاً ووالدتها تخشى عليه، لم يكن عليها أن تتزوج أو أن تنجبها، على حد تعبيرها.
وعاشت شريهان في طفولتها مشاكل كثيرة، فكانت هناك قضايا مع أسرة والدها من أجل إثبات نسبها، وحين كانت صغيرة وقفت أمام عمّها في المحكمة من أجل الميراث. وقامت الأم برفع دعاوى ضد عائلة الأب، إذ اتهموها بالكذب، وأنها تطمع في ثروة العائلة. و لكن هذا الصراع انتهى في عام 1980، أي عندما أتمت شريهان 16 عاماً.
ألم.. وفقد.. ومرض وفي التاسع والعشرين من مايو (أيار) عام 1981، تلقت شريهان خبراً مفجعاً بوفاة أخيها غير الشقيق وعازف الغيتار الشهير عمر خورشيد، في عمر 36 عاماً، في حادث سيارة ما زال الغموض يحيط به حتى الآن، فقد اصطدمت سيارته بعمود إنارة أمام منزله، وكانت معه زوجته دينا والفنانة مديحة كامل. وانهارت شريهان فور علمها بوفاته، حتى أنها أصيبت بشلل مؤقت وقتها. وبعدها بـ 6 أعوام، وفي أوج انطلاقتها الفنية فقدت شريهان والدتها بسبب مرض السرطان، وحزنت كثيراً آنذاك، لكنها واصلت مسيرتها رغم صعوبات الفراق، إلا أنها عادت لصدمة أقوى في عام 1989، حين تعرضت لحادث سير على طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوي أدى إلى كسر عمودها الفقري. أصبحت شريهان غير قادرة على الحركة، وممددة على السرير في منزلها طوال الوقت، ليظهر بصيص من الأمل، عبر السفر إلى فرنسا والخضوع لعملية جراحية استغرقت نحو 10 ساعات، خرجت بعدها لغرفة العناية المركزة، واستمرت معاناتها لفترة كبيرة، لكنها خالفت كل أوامر الطبيب بالتزام الراحة، وأصرّت على أن تنهض من سريرها وتتحرك، وكأنها تقول للجميع إنها ستعود أقوى. وفي مطلع الألفية الجديدة عادت معاناتها الصحية مجدداً، لكن هذه المرة عقب إصابتها بسرطان الغدة اللعابية، إذ اضطر الأطباء إلى إزالة عظام خدها الأيسر، واستمر المرض في مهاجمتها بشدة، وتغيرت ملامحها بعدما زاد وزنها حتى وصلت أكثر من 110 كيلوغرامات، لتسير في الشوارع ولا يعرفها أحد، لكنها لم تستسلم، حتى تعافت منه في النهاية. زواج.. وإنجاب تزوجت شريهان مرتين؛ الأولى من الأمير المغربي علال الفاسي، إلا أنهما سرعان ما انفصلا، بعدها تزوجت سراً من الملياردير الأردني علاء الخواجة، وهو زوج الفنانة إسعاد يونس، لتفتح الأخيرة النار عليها عبر وسائل الإعلام حين انكشف الأمر، خاصة أنها كانت صديقتها، ولكن استقرت الأمور بينهما لاحقاً بعد سنوات. في هذه المرحلة ابتعدت شريهان عن الأضواء تماماً، وكانت آنذاك لا تزال تُحارب السرطان بمفردها، وسط هجوم كبيرة من الصحافة بسبب زواجها، حتى تعافت بشكلٍ تام.
وبعدها سعت بكل الطرق أن تحقق أمنية ابنتها الوحيدة "لولوة"، حيث كانت تطالبها منذ أن كان عمرها 8 سنوات أن تُنجب لها أختاً تلعب معها، لكن بسبب ظروفها الصحية كان من الصعب تحقيق هذا الأمر. بحسب تصريحات شريهان، فقد تحدّت رأي الأطباء ولجأت إلى الله وأدّت فريضة الحج، ووقتها قرأت سورة مريم وتمنت من الله أن يرزقها بأخت جديدة لابنتها، وتعهّدت بأن تطلق عليها اسم مريم أو تالية القرآن، وبالفعل أنجبت ابنتها وأطلقت عليها اسم "تالية القرآن"، ولسنوات طويلة ظلت شريهان بعيدة تماماً عن كل ما يخص التمثيل والإعلام، وكانت تكتفي بمشاركة جمهورها بين الحين والآخر بصور لها حتى تطمئنهم على حالتها الصحية. عادت شريهان لجمهورها في عام 2021، بعد غياب نحو 20 عاماً، من خلال مسرحية "كوكو شانيل"، من إخراج هادي الباجوري، وتأليف مدحت العدل، ثم عادت لغيابها المعتاد، وظهورها اللافت على فترات متباعدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومسيرتها التي لا تزال تشغل ذاكرة الجمهور.. رغم تعاقب الأجيال.