خلَّفَ سقوط الرئيس السوري بشار الأسد، ورحيله من سوريا، فراغاً استراتيجياً ستملؤه قوى جديدة، مما سيترك آثاراً كبيرةً على سوريا والشرق الأوسط بأكمله، حسب ما أفاد كامران بخاري، الأكاديمي المتخصص في شؤون الأمن القومي والسياسة الخارجية في جامعة أوتاوا. ستواجه تركيا تحديًا يتمثل في إدارة نفوذها المتزايد
وقال بخاري، في تحليله بموقع "جيوبولتيكال فيوتشرز" البحثي الأمريكي، إن "الصراع في بلاد الشام لم ينته بعد. تلقت الامبراطورية الإقليمية لإيران ضربة قاصمة، وفقدت روسيا موطئ قدم استراتيجياً عمره 70 عاماً في البحر الأبيض المتوسط"، ومع ذلك، ما يزال التنافس على سوريا مستمراً. وستواجه تركيا، التي دعمت الفصائل المسلحة التي أطاحت بالأسد، تحديًا يتمثل في إدارة نفوذها المتزايد في سوريا الآن. وفي الوقت نفسه، ستجد إسرائيل نفسها في مواجهة عدو جديد، يتمثل في المتطرفين بدلاً من الجماعات المدعومة من إيران. The Syrian government fell early Sunday after rebels entered the capital and overthrew President Bashar Assad. Heres whats next for the country. pic.twitter.com/Zf6WOmoS1K — The Associated Press (@AP) December 9, 2024 انهيار النظام السوري وأشار الباحث إلى أن سقوط نظام الأسد لم يكن مفاجئاً، بل هو نتيجة مباشرة لتصعيد المواجهة بين إسرائيل وإيران بعد هجمات 7 أكتوبر (تشرين الأول) على إسرائيل. فالضربات المدمرة التي تعرضت لها إيران ووكيلها الرئيسي حزب الله أفسحت المجال أمام تركيا وحلفائها من المتمردين لتحقيق مكاسب كبيرة ضد النظام السوري. ومن هنا، تمكن تحالف بقيادة جماعة "هيئة تحرير الشام" من تحقيق ما لم يتحقق خلال الربيع العربي، والحرب الأهلية السورية في 9 أيام فقط. تحديات داخلية أمام المتمردين تواجه هيئة تحرير الشام تحديات كبيرة رغم ما حققته. فرغم أن هذه الجماعة هي الأكبر والأكثر تنظيماً وتحظى بدعم تركيا وقطر، فهي ليست قوية بما يكفي لفرض هيمنتها على كامل الأراضي السورية. كما أن خططها المستقبلية غير واضحة. ورغم تصريحاتها العامة بشأن التسامح، فإن سوريا تضم جماعات دينية وعرقية متنوعة – مثل العلويين والمسيحيين والشيعة والإسماعيليين والدروز والأكراد –، الذين يشكلون نحو 40% من السكان.
ولذا، يؤكد بخاري أن أي تسوية سياسية جديدة ستتطلب من جميع الجماعات المتمردة المتفرقة التوصل إلى ترتيب لتقاسم السلطة، وهو أمر قد يستغرق وقتاً طويلاً. أولاً، يجب معالجة الاختلافات الأيديولوجية والإقليمية والسياسية داخل المكون السنّي نفسه قبل التوصل إلى اتفاق مع الأقليات، التي تشعر بالقلق إزاء إمكانية ظهور حكومة سنية أو إسلامية. ثانياً، ينبغي التفاوض مع الأكراد الذين يتمتعون بحكم ذاتي في الشرق والشمال الشرقي منذ أكثر من عقد. المصالح التركية في سوريا وأوضح الكاتب أن تركيا لديها مصالح كبيرة في سوريا، فهي تريد من المتمردين تقليص نفوذ الأكراد السوريين الانفصاليين، الذين يعملون تحت راية "قوات سوريا الديمقراطية"، المدعومة من الولايات المتحدة. وترى أنقرة أن هذه القوات مرتبطة بحزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه كمنظمة إرهابية، وتعتبره تهديداً لا يمكن التسامح معه لأمنها القومي، لكن مدى قدرة تركيا على التحكم في الوضع السوري يظل غير واضح. There’s jubilation around the world after 53 years of oppressive rule in Syria was torn down in an instant by rebels in Damascus.
Former President Bashar al-Assad has now fled the country. So, what happens next?
Dr Rifaie Tammas joins us. pic.twitter.com/wf1XPMHQPX — The Project (@theprojecttv) December 9, 2024 الدور الأمريكي المتغير كما أن إدارة ترامب المقبلة ستضطر إلى تحديد موقفها من الأكراد، خصوصاً إذا اعتقدت أن تنظيم داعش الإرهابي قد يعاود الظهور في الفراغ الذي خلفه سقوط الأسد.
أما إيران، فقد خسرت نفوذها في بلاد الشام، لكنها ستحاول منع امتداد تأثير هذه الخسارة إلى العراق. ولفت بخاري النظر إلى أن المناطق الحدودية ذات الأغلبية السنية بين سوريا والعراق تمثل مصدر قلق كبير لإيران، إذ أن الميليشيات الشيعية التابعة لها سيطرت على هذه المناطق السنية فقط بعد هزيمة تنظيم داعش الإرهابي قبل 5 سنوات، ولكن هذه السيطرة ما زالت حديثة وهشة. إسرائيل وتحركاتها العسكرية وأشار بخاري إلى أن إسرائيل بدأت بالفعل في إنشاء منطقة عازلة شمال شرق مرتفعات الجولان، في المناطق الواقعة جنوب غرب دمشق. ورغم أن المتطرفين لا يشكلون تهديداً بنفس درجة إيران ووكلائها، فإنهم ما يزالون يمثلون خطراً على إسرائيل. ولهذا، تقوم القوات الإسرائيلية بشن غارات جوية على منشآت أسلحة للحيلولة دون وصولها إلى هيئة تحرير الشام وحلفائها. روسيا والخسارة الاستراتيجية ورأى الكاتب أن روسيا كانت أكبر الخاسرين بعد الأسد نفسه. فلم تعد موسكو قادرة على الاحتفاظ بقاعدتها الجوية في حميميم أو مينائها البحري في طرطوس. وعلى الرغم من ذلك، ستحاول روسيا الحفاظ على ما يمكنها من نفوذ في سوريا، لكن سيكون عليها التعامل مع تركيا، التي أصبحت اللاعب الإقليمي الأكثر نفوذاً في سوريا.
واختتم الكاتب تحليله الإطاحة بالأسد أحدثت تحولاً هائلاً في ميزان القوى الجيوسياسي والطائفي في المنطقة، وسيخلّف هذا التحول آثاراً تمتد إلى ما هو أبعد من الشرق الأوسط، لتؤثر على المشهد العالمي بأسره.