شهدت دولة الإمارات العربية المتحدة في السنوات الأخيرة تطورًا ملحوظًا في ثقافة الرحلات والتخييم، إلى جانب الأنشطة الرياضية مثل الهايكينج وتسلق الجبال. هذه الهوايات لم تعد مجرد أنشطة ترفيهية، بل أصبحت وسيلة لاستكشاف جمال الطبيعة المحلية بما تحويه من كثبان رملية وجبال شامخة ووديان خلابة. اللافت في الأمر أن هذه الظاهرة لم تقتصر على المواطنين فقط، بل جمعت بين المقيمين من مختلف الجنسيات، ما أضاف بعدًا ثقافيًا واجتماعيًا مميزًا لهذه التجارب، حيث بات من المألوف مشاهدة مشاهد التناغم والتفاهم بين أفراد المجتمع الإماراتي المتنوع خلال هذه الرحلات، الأمر الذي يعكس المستوى الحضاري الذي بلغته الدولة. إلى جانب هذه الأنشطة، أسهم إنشاء أندية متخصصة في تعزيز ثقافة التخييم والرياضات الطبيعية، إذ أصبحت تقدم تدريبات وفعاليات منظمة تُثري التجربة وتضمن الاستمتاع بها بطريقة آمنة ومستدامة. هذه الأندية تمثل نقطة التقاء لهواة الطبيعة وتوفر لهم بيئة تساعد على التواصل وتبادل الخبرات، ما يجعل من الرحلات فرصة للاستجمام والتأمل في جمال الطبيعة.
لكن، وسط هذا المشهد الجميل، تظهر ممارسات سلبية من قِبل بعض الأفراد الذين يفتقرون إلى أدبيات وأخلاقيات التخييم والرحلات. بدلاً من استغلال هذه الرحلات للابتعاد عن الضوضاء والاستمتاع بالهدوء، تلجأ هذه الفئة إلى إحضار مكبرات الصوت وتشغيل الموسيقى الصاخبة لساعات متأخرة من الليل، دون أدنى مراعاة لوجود الآخرين في المكان. الغريب أن وقت نشاطهم هذا يبدأ عادة من حوالي الساعة التاسعة أو العاشرة مساءً ويستمر حتى مطلع الفجر، وهو الوقت الذي يخلد فيه معظم الرحالة إلى النوم طلبًا للراحة، وكأنهم ذاهبون إلى حفلة صاخبة، متناسين أن الهدف من التخييم ليس الاحتفال بل الاستجمام والهدوء.
علاوة على ذلك، لا يلتزم هؤلاء الأفراد بمبدأ المسافة الاجتماعية الذي يُعتبر ضروريًا في رحلات التخييم. فمن المؤسف أن تجدهم ينصبون خيامهم على مسافات قريبة جدًا من الآخرين، أحيانًا لا تتجاوز مترين أو ثلاثة أمتار، مما يسبب شعورًا بعدم الراحة ويقلّل من خصوصية التجربة التي يسعى إليها الجميع.
لا شك أن الهدف الحقيقي من التخييم هو الانسجام مع الطبيعة والاستمتاع بجمالها، وهو ما يتطلب التزامًا بالأخلاقيات واحترامًا للآخرين. لكن يبدو أن البعض قد أساء فهم هذا المفهوم، فأصبحوا يرون في الرحلات فرصة لإحداث الفوضى والضوضاء، ما يجعلهم يفوتون جوهر هذه التجربة. الأغرب أن هؤلاء الأشخاص يغادرون المكان بعد أن أنهوا جلساتهم الصاخبة دون أي اكتراث للأثر الذي خلفوه على الآخرين.
من المهم جدًا أن يتم تعزيز التوعية بأخلاقيات التخييم، سواء عبر وسائل الإعلام أو من خلال القوانين التي تنظم السلوكيات في الأماكن الطبيعية. يمكن أن تشمل هذه الجهود وضع تعليمات واضحة تحدد مستوى الصوت المسموح به وفرض غرامات على المخالفين. كما أن الأندية المتخصصة يمكن أن تلعب دورًا في نشر ثقافة التخييم المسؤولة، من خلال تقديم ورش عمل تثقيفية تركز على كيفية احترام الطبيعة والمساحات المشتركة.
في النهاية، تبقى الطبيعة إرثًا مشتركًا ينبغي الحفاظ عليه واحترامه. الاستمتاع بها لا يتطلب فقط معرفة أفضل الأماكن للتخييم، بل أيضًا الالتزام بسلوكيات تعكس احترام الآخرين والمحافظة على البيئة. إن رحلات التخييم ليست مجرد مغامرة عابرة، بل هي فرصة لبناء ذكريات جميلة مشتركة، يمكن أن تتحقق فقط عندما يسود الاحترام والتفاهم بين الجميع. نأمل أن يدرك كل من يخرج إلى الطبيعة أن الرحلات هي وسيلة للهدوء والاستجمام، وليست منصة لإزعاج الآخرين أو العبث بجمال الطبيعة.