لا يخفى أن الحفاظ على الهوية الثقافية والتاريخية لأية أمة أو مجتمع يستلزم رؤية ومعايير دقيقة في التوثيق والأرشفة، لما لهما من أهمية في صون التراث، وخاصة التراث الثقافي غير المادي الذي يشمل الممارسات والتقاليد والمعارف والمهارات ويتم توارثه جيلا عن جيل، وتبدعه الجماعات بصورة مستمرة بما يتماشى مع بيئتها وتفاعلاتها مع الطبيعة وتاريخها، مما يعزز لديها الإحساس بهويتها ويقوي شعورها باستمراريتها.
وتقوم جمعية القناص القطرية، بجهود حثيثة في مشروعها الموسوم بـ/أرشيف الصقارة/، الذي بدأته منذ سنوات، مما مكنها من تجميع عدد من المصادر والمراجع التي تعنى بتراث الصقارة، فضلا عن المرويات الشفهية، والفيديوهات التوثيقية التي توثق لرحلات الصيد والقنص.
وفي هذا الصدد، أجمل الباحث الأكاديمي، الدكتور عمر العجلي، عضو اتحاد المؤرخين العرب في تصريح لوكالة الأنباء القطرية /قنا/ هذه المخرجات في حفظ الموروث الثقافي وأصالته الذي يشمل القيم والعادات والتقاليد، والآداب والفنون، واللغة ولهجاتها، لتفادي ضياعها أو نسيانها، منوها إلى أن الأرشفة تساهم في تخزين المعلومات والمعارف وتعزيز الذاكرة الجماعية، وكذلك حماية هذا الإرث بأحداثه وحقائقه التاريخية من التلاعب والتحريف والتزوير من خلال التوثيق الدقيق، لتستفيد منه الأجيال القادمة.
وأوضح أن الأرشيف يوفر عادة الوثائق والمصادر الأولية التي يمكن الرجوع إليها في البحوث والدراسات الأكاديمية والتاريخية، مما يسهم في إثراء المعرفة الإنسانية، لافتا في الوقت نفسه، إلى أن الأرشفة تعد ركيزة أساسية للمسار الحضاري، وحافزا مهما في مستوى التنمية الثقافية وتعزيز قيمها وتقاليدها والمساهمة في التنوع الثقافي وبناء جسور التواصل بين الأجيال، والمحافظة على حقوق الملكية الفكرية للمؤلفين والمبدعين بتوثيق أعمالهم وحفظها بشكل قانوني.
وأثناء حديثه عن (أرشفة الصقارة القطرية وتوثيقها)، أكد الدكتور عمر العجلي أن دولة قطر تعتبر مستودعا لتراث ثقافي غني ومتنوع، يجمع بين الممارسات والتقاليد والمعارف التي تعكس الهوية الفريدة للمجتمع القطري، موضحا أن اهتمام قطر بمفهوم التراث الثقافي غير المادي يستند إلى مجموعة من المرجعيات الأساسية، من ضمنها دستور البلاد ورؤية قطر الوطنية 2030.
وفي تأكيد على حرصها على المحافظة على موروثها الثقافي، أشار الدكتور العجلي إلى أن جمعية القناص القطرية، التي أنشئت عام 2008م، كمؤسسة ثقافية مختصة برياضة الصيد والصقور ومعنية بشؤون القناصين، تعمل على دعم هذه الرياضية في نطاقها العربي والإنساني من خلال دعم الصيادين وتنظيم أعمالهم، إضافة إلى إدارة فعاليات متنوعة حول الصيد، وتمثيل الصيادين في المسابقات الإقليمية والعالمية.
ونوه إلى أن أرشيف الصقارة القطرية الذي أطلقته الجمعية منذ عام 2015، لتوثيق تاريخ الصيد والصقارة وتوثيق الصقارين القدامى في قطر، يعد خطوة مهمة في حفظ هذا التراث الإنساني اللامادي، حيث له العديد من الجوانب الإيجابية، منها: المحافظة على تقاليد الصيد بالصقور وتوثيقها والتي تعتبر ركنا أساسيا في التراث القطري والخليجي، وتعزيز الهوية الوطنية من خلال تعميق هذه الممارسات وتشجيعها والفخر بها ما يعزز الانتماء لهذا الموروث لدى الجيل الحالي والقادم.. كما يوفر الأرشيف موارد تعليمية عن تقنيات الصيد التقليدية، والأدوات المستخدمة، والقصص والحكايات المرتبطة بالصقور وأنواعها وتربيتها وطرق تدريبها والصيد بها والحفاظ على المعارف التقليدية المرتبطة بها، وتقديمها للمهتمين بالصقارة. وربما يكون مفيدا في إدراجها في التعليم المدرسي والجامعي.
وأكد عضو اتحاد المؤرخين العرب، أن الأرشيف يساهم في الترويج للتراث والتعريف بالصقارة القطرية عربيا ودوليا كممارسة تراثية وإنسانية، مما يعزز السياحة الثقافية ويزيد الوعي بتراث قطر.
وأوضح أن الأرشيف يتيح أيضا التوثيق الرقمي باستخدام وسائل حديثة مثل الصور والمقاطع المرئية والمقابلات الشفهية، ما يسهل الوصول إليها واستعراضها عبر الزمن، ويضمن عدم تأثرها بالعوامل البيئية أو الزمنية، مشددا في الوقت نفسه على أن الأرشفة تعد وسيلة مهمة لتوثيق أسماء الصقارين البارزين الذين أسهموا في الحفاظ على هذا التراث، وبالتالي تكريمهم، مما يعزز التقدير المجتمعي لهم.
واعتبر الدكتور عمر العجلي، أن أرشيف الصقارة القطرية، يمثل مبادرة قيمة ذات أبعاد إنسانية وثقافية واجتماعية، تسعى للحفاظ على جزء من الموروث الثقافي الذي يعزز الهوية والتاريخ القطري، ويسهم يقينا في نقل أصالة هذا التراث للأجيال القادمة.
ن جانبه، قال السيد علي بن خاتم المحشادي، رئيس مجلس إدارة جمعية القناص القطرية في تصريح مماثل لوكالة الأنباء القطرية /قنا/ إن الجمعية أخذت على عاتقها، توثيق تراث الصقارة من أجل حفظه وصونه للأجيال القادمة، لافتا إلى أن عمل الجمعية لا يقتصر على هذا الأمر، بل يتعداه إلى مشاريع أخرى لا تقل أهمية من قبيل حملة إرجاع الصقور للطبيعة، ومشروع قطر لجينوم الصقور، ومؤتمر قطر الدولي لبيطرة الصقور، وغيرها من المشاريع الهامة.
وأوضح أن الجمعية، منذ إطلاقها مشروع /أرشيف الصقارة/، بدأت بتأسيس /مكتبة جمعية القناص القطرية/، لتكون مكتبة مرجعية متخصصة في الصقارة القطرية والخليجية والعربية والعالمية، منوها إلى أن أرشيف الصقارة القطرية يضم صورا ومواد مقروءة ومرئية توثق لهذا الإرث والتراث القطري العريق، الذي يعد جزءا من التراث الخليجي والعالمي، وذلك لتشجيع الدراسات العلمية والتاريخية والأدبية المتخصصة في الصقارة والصيد التقليدي.
وأشار المحشادي، إلى أن جمعية القناص القطرية، سبق لها أن راسلت جميع الجهات من مؤسسات إعلامية مرئية ومقروءة ومسموعة ودعتها لتوفير ما لديها من مواد توثق لتاريخ المقناص قديما وحديثا من أجل إغناء الأرشيف القطري وجعله في متناول الجميع، لافتا إلى أنه منذ الأيام الأولى لإطلاق أرشيف الصقارة القطرية، لقيت الدعوة تجاوبا من الجميع وإشادة واسعة من أجل حفظ هذا التراث القطري الإنساني اللامادي.
وأوضح أن مكتبة جمعية القناص القطرية تحتوي على ما يقارب 300 كتاب، منها 50 كتابا عربيا، وأكثر من 300 كتاب أجنبي (إنجليزي، إسباني، ألماني، روسي، وغيرها).
كما تحتوي المكتبة على أرشيف ضخم من مجلات ودوريات عالمية متخصصة بالصقارة منشورة على مدار أكثر من 50 سنة. وتقدم هذه الدوريات معلومات وتقارير وأبحاث مهمة للصقار والباحث.
ونوه رئيس مجلس إدارة جمعية القناص القطرية، إلى أن محتويات المكتبة، تغطي الصقارة من زوايا متعددة أهمها: التدريب على الصقارة القطرية والعربية والعالمية، ومهاراتها المتعددة كصيد الجوارح، وتدريبها، وصناعة أدواتها، وطرق قص الأثر وتتبع الطرائد، وغيرها، فضلا على تاريخ الصقارة العربية والعالمية.
وأوضح أن هذا الأرشيف الضخم يتضمن أيضا، مصادر ومراجع تهم بيطرة الصقور والجوارح ورعايتها وإكثارها، وكتبا علمية متخصصة بالجوارح وأنواعها ودورة حياتها في الطبيعة، ومواسم هجرتها وتكاثرها، بالإضافة إلى كتب أدبية وفنية مستوحاة من الصقارة (شعر، روايات، لوحات).
يشار إلى أن جمعية القناص تأسست عام 2008 وهي جمعية ثقافية مختصة برياضة الصيد بالصقور وبشؤون القنص والقناصين، وتعمل على دعم الصيد العربي التقليدي من خلال مساندة الصيادين وإدارة أعمالهم، إضافة إلى تنظيم فعاليات متنوعة حول الصيد، وتمثيل الصيادين في المسابقات الإقليمية والعالمية.
وتهتم جمعية القناص بأنواع الصيد البري مثل الصيد بالصقور والسلوقي (كلب الصيد)، والبنادق، وتهتم كذلك بتطوير هذه الهواية وتنظيمها على أسس علمية تساعد على انتشارها ومعرفة الجيل والنشء الجديد بها.