أثارت مطالب عدد من الطلاب بتقليص اليوم الدراسي يومي الأربعاء والخميس، جدلاً واسعاً، حيث تتباين الآراء بين من يراه ضرورة لتخفيف الأعباء على الطلاب، ومن يعتبره تهديداً لجودة التعليم.
استطلعت «الشرق» آراء عدد من المختصين، إذ يرى المؤيدون أن اليوم الدراسي الطويل قد يتسبب في ضغوط نفسية وجسدية تؤثر سلباً على الطلاب وأسرهم، مما يجعل من الضروري النظر في إعادة هيكلة الوقت الدراسي بما يوازن بين التعلم والحياة الشخصية. على الجانب الآخر، حذّر آخرون من أن تقليص اليوم الدراسي قد يؤدي إلى فجوة تعليمية ويترك وقت فراغ قد لا يُستثمر بشكل إيجابي. إذ يؤكد هؤلاء على أهمية تعزيز الالتزام بالدوام المدرسي، مشيرين إلى دور أولياء الأمور والمدارس في توعية الطلاب بأهمية الانضباط واحترام القوانين المدرسية لضمان تحقيق الأهداف التعليمية.
يتفق معظم الأطراف على أهمية تحسين النظام التعليمي بدلاً من تقليص ساعاته، من خلال إدخال أنشطة تعليمية وترفيهية تعزز من تفاعل الطلاب. كما يدعون إلى دراسة شكاوى ومطالب الطلاب بجدية، بما يضمن تطوير العملية التعليمية بشكل يواكب احتياجات الأجيال الحالية ويحافظ على جودة التعليم.
- د. محمد العنزي: إنشاء الوسوم على منصات التواصل لن يفيد
أكد الدكتور محمد العنزي، الأستاذ الجامعي في علم النفس، أن الدراسة والعمل من المهام الأساسية التي يبني الإنسان عليها حياته، سواء كان طفلاً أو شاباً، ليكتسب من خلالها السلوكيات والممارسات التي تعزز حياته العلمية والعملية. وأضاف الدكتور العنزي: «إذا وجد الاهتمام الجاد بالدوام الدراسي لدى الطلاب، فإن ذلك سينعكس إيجاباً على سلوكهم ويحفزهم على التحصيل العلمي، حيث يظهر ذلك من خلال اهتمامهم بالجهد والمثابرة والاستعداد اليومي للدوام بكل نشاط وحيوية. أما إذا اعتقد الطلاب أن الغياب عن الدراسة أمر جيد، وأن إنشاء بعض الهاشتاقات على مواقع التواصل الاجتماعي يمكن أن يفيدهم، فهم مخطئون. وربما يكون الدافع وراء ذلك هو التشجيع والاستحسان الذي وجدوه من بعض الأشخاص تجاه هذا السلوك السلبي».
وشدد الدكتور العنزي على أن دور أولياء الأمور والمعلمين أساسي في توعية الطلاب والطالبات بمخاطر هذا السلوك، مؤكداً أن الغياب المتكرر عن الدراسة يؤثر سلباً على مستوى التحصيل الدراسي للطلاب حالياً ومستقبلاً. وأشار إلى أن هناك للأسف بعض المعلمين الذين يتساهلون مع هذه الظاهرة، معتبرين أن غياب الطلاب فرصة للراحة، وهذا تصرف قصير النظر يجب تصحيحه.
- د. عبدالمحسن اليافعي: تأثيرات نفسية لطول اليوم الدراسي
رأى الدكتور عبدالمحسن اليافعي أن النقاش حول طول اليوم الدراسي وتأثيره على الطلبة من النواحي النفسية والجسدية يجب أن يُركز على جوهر المشكلة: «هل المشكلة في طول اليوم الدراسي، أم في قدرة الجيل الحالي على تحمل المسؤولية؟»
وأوضح أن مقارنة نظامنا الدراسي مع الأنظمة العالمية، مثل الدول الأوروبية، يظهر أن اليوم الدراسي أو العملي يمتد غالباً من الساعة الثامنة صباحاً حتى الخامسة مساءً، مع تخصيص وقت للراحة. بينما في نظامنا الحالي، يكون اليوم الدراسي أقصر، ورغم ذلك تكثر الشكاوى حول التعب وطول الوقت. وأشار إلى أن الجيل الحالي أقل قدرة على تحمل المسؤولية مقارنة بالأجيال السابقة، التي واجهت تحديات أكبر دون أن تظهر نفس المشكلات التي نشهدها اليوم. وأضاف الدكتور اليافعي أن الحملات المطالبة بتقليص اليوم الدراسي، رغم حسن نواياها، قد تؤدي إلى فجوة تعليمية وزيادة وقت الفراغ غير المنتج. وأوصى بعدة حلول، منها: التعامل بحزم، إذ يجب أن تكون وزارة التعليم أكثر حزمًا في التعامل مع الحملات المطالبة بتقليل اليوم الدراسي، مع اتخاذ القرارات بناءً على دراسات علمية. وإعادة النظر في الأنشطة الدراسية، فبدلاً من تقليل الساعات، يمكن تحسين جودة الأنشطة التعليمية وإدخال فترات راحة ونشاط بدني.
وختم الدكتور اليافعي حديثه بأن المسألة لا تتعلق فقط بطول اليوم الدراسي، بل هي قضية مجتمعية أكبر تتطلب الحكمة في التعامل معها، مع موازنة الاستماع للطلبة وضمان مصلحة الأجيال القادمة.
- خالد شكري: الضغط الدراسي يؤثر على الطالب وأسرته
الكاتب والباحث الاجتماعي خالد شكري استشهد بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، عندما قال لعبدالله بن عمرو: «فلا تَفْعَلْ، قُمْ ونَمْ، وصُمْ وأَفْطِرْ، فإنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا». وأوضح أن الإسلام، وهو الدين الأعظم، لم يطالب الإنسان بالتعبد طوال اليوم، فكيف يمكن لإنسان غير معصوم من الخطأ أن يُجبر الطلاب على الدراسة صباحاً ومساءً وليلاً، على حساب حياتهم الاجتماعية التي أحلها الله لهم؟
وأكد شكري أن إنهاك الطالب بالدراسة على مدار اليوم يتجاوز طاقة الإنسان الطبيعية، مما يؤدي إلى خلل في نفسيته وأخلاقه. وأشار إلى أن الضغط الدراسي لا يؤثر فقط على الطالب، بل ينعكس على أسرته أيضاً، حيث قد يتعرض للتعنيف من والديه بدلاً من أن يجد اللطف والمودة. وأضاف: «أغلب ما يدرسه الطلاب لا يجد تطبيقاً في حياتهم اليومية، فما الجدوى من هذا الإنهاك الذهني والعصبي والنفسي للطالب وأسرته؟»
وأشار إلى أن بعض الدول العالمية تبنت نظما تعليمية مختلفة، حيث تم تقليل ساعات الدراسة والحد من الواجبات المنزلية، لتكون الدراسة مقتصرة على أوقات المدرسة فقط. وتساءل: «لماذا لا نتبع هذا النموذج ونخفف من العبء على طلابنا؟ لقد رأينا قوانين تعليمية حول العالم تتغير لتتماشى مع احتياجات الطلاب وقدراتهم، فلماذا الإصرار على إنهاك الطالب تحت شعار طلب العلم؟»
- الدكتورة هلا السعيد: التمرد على قوانين المدرسة مرفوض
قالت الدكتورة هلال السعيد إنه يجب في البداية أن يكون هناك احترام كامل لقوانين المدرسة والمعلمين وإدارة المدرسة من قبل الطلبة والطالبات. وأضافت: «لا يمكن أن نقبل أن يقوم الطلاب بإضراب أو غياب جماعي يهدف إلى فرض تعديل أو تغيير مواعيد الدوام المدرسي. هذا السلوك، في اعتقادي، يعد نوعاً من التمرد على النظام التعليمي وتصرفاً قاصراً يجب توعية الطلاب بمخاطره وتأثيره السلبي على مسيرتهم التعليمية». وأوضحت الدكتورة السعيد أن الطلاب ملزمون باحترام لوائح وقوانين المدرسة، مشددة على أن «الأمر ليس بالمزاج، فلا يمكن أن يُقرر الطلاب إطلاق هاشتاق للغياب الجماعي بكل بساطة، فهذا تصرف مرفوض تماماً من قبل إدارة المدرسة وأولياء الأمور. كأنهم يحاولون فرض أمر واقع على إدارات المدارس، خاصة أن هذا الهاشتاق الذي دعا للغياب الجماعي جاء بعد وقت قصير من بداية الفصل الدراسي الثاني، وبعد إجازة استمرت لأكثر من أسبوعين، مما يعني أن هذا التصرف يفتقر لأي مبرر أو منطق، ونحن ما زلنا في بداية الفصل». وأضافت الدكتورة السعيد: «هل ما قام به الطلاب من تحريض على الغياب يأتي في سياق تقليد لما يحدث في بعض الدول الأجنبية من دعوات للإضراب عبر مواقع التواصل الاجتماعي؟ إن هذا التقليد الأعمى مرفوض تماماً لدينا.
- عبدالله صالح: مراعاة ظروف الطلاب والنظر في مطالبهم
قال عبدالله صالح إن الطلاب عبروا عن استيائهم بشكل سلمي، وهو حقهم المشروع، مؤكداً على أهمية الاستماع إلى آرائهم بدلاً من تجاهلها. وأضاف أن بعض مطالب الطلبة تستحق الدراسة الجادة، مثل طول اليوم الدراسي، وكثافة المناهج، وقلة الحصص الترفيهية، وندرة الرحلات المدرسية التي تساعد في تخفيف ضغوط الدراسة. وأشار إلى أن الجانب النفسي يلعب دوراً مهماً في العملية التعليمية.
وقال عبدالله صالح: «موضوع الغياب الجماعي الذي تصدر الهاشتاق في منصات التواصل الاجتماعي مؤخراً يعتبر أمراً ملفتاً للنظر، ويدعو وزارة التربية والتعليم الموقرة إلى مراعاة ظروف الطلاب والنظر في مطالبهم. هذا الجيل، وهو جيل التكنولوجيا، يعبر عن نفسه بطرق مختلفة عما تعودنا عليه نحن الآباء والأمهات». وأشار إلى أن دوام الطلاب في المدارس طويل ومرهق، ما يؤثر على حياتهم الأسرية، قائلاً: «لم نعد نرى أبناءنا إلا في أوقات قليلة، فهم يعودون مرهقين من الدراسة وينامون مباشرة. لذلك، أناشد إدارات المدارس ووزارة التربية العمل على دراسة أوضاع الطلاب واحتياجاتهم النفسية».