افتتح سعادة الشيخ عبدالرحمن بن حمد آل ثاني وزير الثقافة مساء اليوم، النسخة الرابعة من "موسم الندوات"، والذي يقام بالشراكة مع جامعة قطر والمركز العربي للدراسات، ضمن جهود الوزارة المتواصلة في تأسيس منصة بارزة للحوار الثقافي والفكري الجاد والمعمق حول أبرز القضايا الثقافية والمجتمعية.
حضر الافتتاح عدد من أصحاب السعادة الشيوخ والسفراء المعتمدين لدى الدولة، وعدد من كبار المسؤولين ونخبة من المثقفين.
ويستقطب موسم الندوات الذي يستمر حتى 25 فبراير الجاري، نخبة متميزة من الخبراء والمثقفين والمفكرين والأكاديميين من داخل دولة قطر وخارجها، لتتكامل الرؤى من أجل إيجاد مقاربات وأطروحات مستنيرة حول جدليات الثقافة والفكر وتحديات العلاقات الحضارية المعاصرة والتغيرات الاجتماعية، وغيرها من الموضوعات الثقافية والقضايا الفكرية الراهنة.
وقال السيد جاسم سلمان المشرف العام على موسم الندوات، في كلمة استهلالية: لقد أضحى "موسم الندوات" منبرا سنويا لتعزيز الحوار الثقافي والفكري المعمق حول أبرز القضايا الثقافية والمجتمعية المعاصرة، وفضاء مفتوحا لتلاقي الأفكار والإبداعات التي تشكل المشهد الثقافي القطري والعربي وتصنع تنوعه وتفرده وانفتاحه، مشيرا إلى أن وزارة الثقافة قد أعدت برنامجا ثريا ومنوعا من الندوات الفكرية لتعظيم الفائدة المرجوة من هذا الحدث الثقافي السنوي.
وأضاف أن وزارة الثقافة تهدف من خلال موسم الندوات، إلى تعزيز جهودها في بناء شراكات ثقافية مثمرة مع الجهات الفاعلة في المجتمع، ودعم الأنشطة والفعاليات الفكرية والإبداعية والثقافية، وبناء جسور التواصل بين النخب الثقافية والأكاديمية والجمهور، بما يدعم جهود التنمية الثقافية والبشرية في المجتمع، مؤكدا حرص الوزارة على توسيع نطاق التأثير الثقافي عبر عقد شراكات ثقافية مع كبرى المؤسسات الثقافية والبحثية في العالم، بما يدعم الحضور الثقافي القطري في الأوساط الأكاديمية والفكرية العالمية، ويفتح آفاقا أوسع للنقاش والحوار الفكري المثمر.
وجاء افتتاح موسم الندوات بندوة أقيمت مساء اليوم في فندق الشيراتون، تحت عنوان " الخطاب الثقافي العربي في الغرب" شارك فيها السيد جاك لانغ، وزير الثقافة الفرنسي السابق ورئيس معهد العالم العربي في باريس، والكاتب العراقي شوقي عبد الأمير مدير معهد العالم العربي في باريس.
وأشاد السيد جاك لانغ في بداية حديثه بالمستوى الثقافي والإبداعي في دولة قطر، وما تشهده من نهضة ثقافية على كافة المستويات خاصة من بنية تحية، حيث تمتلك العديد من المتاحف والمكتبات والمؤسسات الثقافية التي ترسخ الحضور القطري في المشهد الثقافي العالمي، فضلا عما تتمتع به الدولة من نظام تعليمي، وتوسعها في إنشاء المدارس التعليمية، ومنها مدرسة "فولتير"، ودورها في نشر اللغة الفرنسية.
وتحدث لانغ عن ثراء اللغة العربية منوها بأنها واحدة من أكثر اللغات تحدثا في العالم، وواحدة من أقدم اللغات الحية اليوم، وتتميز بثروة لغوية استثنائية، مؤكدا أن العربية كان لها الفضل في نقل العلوم والمعارف حيث كانت جسرا بين العالم القديم، كالعالم اليوناني، والعالم الغربي، فمن خلالها وصل إلينا جزء كبير من الفلسفة اليونانية، كما انتقلت إلينا علوم الرياضيات اليونانية. وبفضلها حفظت نصوص مثل "ألف ليلة وليلة"، حيث نقلت في بعض الحالات بفضل المستعربين الفرنسيين، لكنها ظلت في جوهرها عربية.
وأضاف أن العربية لم تكن مجرد لغة وسيطة، بل كانت لغة علم أيضا. فالمعرفة العلمية والرياضية التي نعرفها اليوم تدين بالكثير للعربية، مشددا على أن العالم كله مدين للغة العربية بإسهامات لا تحصى.
وتحدث رئيس معهد العالم العربي في باريس عن جهود المعهد في تعزيز حضور العربية في فرنسا، حيث أنشأ المعهد قسما خاصا باللغة العربية منذ أربعين عاما، كما قام خلال العام الماضي بتنظيم فعالية تضمنت منتدى الفكر العربي، استمرت لمدة أسبوع، وتم خلالها دعوة نخبة من المفكرين في العالم العربي، وأن من ملامح اهتمامه باللغة العربية تأليفه كتابا منذ خمس سنوات بعنوان "اللغة العربية كنز فرنسا"، مرجعا اختياره هذا العنوان للكتاب لمدى التأثير الكبير للغة العربية في فرنسا، وتأثيرها اللافت في المجتمع.
وأوضح لانغ أنه نشأ في فرنسا جيل تربى على اللغة العربية، إذ تعد العربية، هي اللغة الثانية في فرنسا، بعد اللغة الأم، وأن هناك الملايين يتحدثون بها في فرنسا. مستحضرا الاهتمام التاريخي باللغة العربية في فرنسا، وذلك منذ عهد الملك فرانسوا الأول، معرجا على مهرجان "أفنيو"، والمقرر إقامة نسخته الجديدة في 14 يوليو المقبل.
وقال: إن النسخة المرتقبة من هذا المهرجان، سوف تشهد تكريم اللغة العربية، انطلاقا من تكريم المهرجان للغات الحية في كل دورة، وأن دورته المرتقبة سوف تحل اللغة العربية في جميع أنشطتها، بالإضافة إلى اللغة الفرنسية، حيث سيشهد المهرجان فعالية موسيقية عن سيدة الغناء العربي الفنانة الراحلة أم كلثوم، كما سيشهد تكريم الشعر والموسيقى في العالم العربي، ما يعكس مدى الأهمية الكبيرة التي تحظى بها اللغة العربية في فرنسا، ما يجعلها كنزا للعالم، وليس فقط لفرنسا.
ومن جهته تحدث الكاتب شوقي عبدالأمير عن التحديات التي تواجه اللغة العربية في الغرب، مشيرا إلى وجد فجوة بين عظمة اللغة العربية وقدرتنا كأفراد على إيصالها للعالم في الواقع، حيث توجد من وجهة نظره ثلاثة عوائق رئيسية وهي ما أسماها الماضوية والشفاهية والنمطية، داعيا إلى وجود خطاب يركز على الأصول والتراث، ولكن لا يعتمد اعتمادا كليا على هذا الإرث دون تجديد فعلي، إلى جانب الاهتمام بالتدوين والتسجيل، حيث لا يتقبل الغرب الخطاب الشفاهي بسهولة، داعيا إلى مواجهة النمطية السائدة في الغرب عن العالم العربي.
من جانبها، قالت السيدة مريم ياسين الحمادي مدير إدارة التعاون الدولي في وزارة الثقافة، في تصريح لوكالة الأنباء القطرية /قنا/ على هامش الندوة الأولى من موسم الندوات، إن وزارة الثقافة حريصة على إقامة فعاليات فكرية متميزة في إطار رؤيتها لتعزيز الحوار الثقافي والانفتاح على التجارب العالمية، منوهة إلى أن اللغة العربية واحدة من المحاور الوطنية الأساسية التي تركز عليها الوزارة، ومن ثم جاءت الندوة الأولى بالتعاون مع معهد العالم العربي في باريس، حيث ركزت على اللغة العربية وما يرتبط بها من تاريخ وثقافة في الغرب، كما أن هذا التعاون يعكس اهتمام الوزارة بتعزيز دور اللغة العربية على المستوى الدولي.
وثمنت الحمادي الحضور الدولي في موسم الندوات مممثلا في البعثات الدبلوماسية والمثقفين المهتمين بهذه القضايا، وهو ما يشكل فرصة لتعزيز الحوار المتنوع بين الثقافات المختلفة على أرض دولة قطر. كما أن هذه الفعاليات تساهم في إيجاد قنوات تواصل بين المثقفين باختلاف لغاتهم، مما يعزز التفاهم والتقارب الثقافي.
وأكدت حرص الوزارة على تعزيز التنوع الثقافي مع ترسيخ الهوية العربية والإسلامية، حيث يتم العمل على تقديم برامج ومبادرات تسهم في إبراز التراث الثقافي في سياق عصري يواكب تطورات المشهد الثقافي العالمي. وقالت "إننا نؤمن بأهمية هذه الجهود في دعم الحراك الثقافي والفكري، وتعزيز مكانة قطر كمركز ثقافي يحتضن التنوع والانفتاح على العالم."
جدير بالذكر أن الندوة الثانية من موسم الندوات الرابع سوف تقام تحت عنوان "الخليج وذاكرته التاريخية" وذلك بعد غد الأربعاء في المبنى الثقافي بالمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ويشارك فيها كل من: سعادة السيد خالد بن غانم العلي، عضو مجلس الشورى، والدكتورة آمنة صادق، أستاذة مساعدة في مركز دراسات الخليج في جامعة قطر، والدكتورة العنود آل خليفة، باحثة في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. وتسلط الندوة الضوء على أبعاد الذاكرة التاريخية في منطقة الخليج العربي ودورها في تشكيل الهوية الثقافية والاجتماعية.