استقبلت السعودية بسعادة كبيرة تقييم الاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا لملف الترشح لاستضافة كأس العالم 2034، بـ 419.8 من أصل 500 نقطة، وهو التقييم الفني الأعلى في التاريخ لأي ملف تم تقديمه لاستضافة البطولة.
وكان وفد رسمي من فيفا قد زار الشهر الماضي مدن استضافة البطولة والمشاريع المدرجة في ملف الاستضافة، للوقوف على تفاصيل الترشح قبل الاجتماع الافتراضي الرسمي الذي يعقده عبر الإنترنت، وفيه يطلب من ممثلي أكثر من 200 اتحاد دولي التصويت الرسمي لاعتماد تنظيم مونديال 2034 في السعودية بعد 14 شهراً من تقدم المملكة بطلبها الحصول على حق التنظيم.
فيفا أعلن في أكتوبر/تشرين الأول 2023 فتح باب الترشح لاستضافة مونديال 2034، مع أولوية آسيا وأوقيانوسيا وفقاً لنظام التناوب القاري، وحدد موعداً نهائياً لتقديم ملفات الترشح خلال أقل من شهر، ولم أي تتقدم دولة غير السعودية بملف رسمي، وكان من المفترض أن تواجه منافسة مع ملف مشترك بين أستراليا ونيوزيلاندا، إلا أن أستراليا انسحبت من السباق لتترك السعودية وحيدة دون منافسة.
وأعلن فيفا في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 اختيار السعودية للاستضافة، ورغم عدم وجود منافس، إلا أنه كان من الضروري عقد اجتماع لاعتماد السعودية رسمياً، بعد مراجعة الملف والتأكد من استيفائه المعايير الفنية والتنظيمية.
وفور الإعلان السعودي عن تقديم الملف الرسمي، لاقت البلاد تأييداً واسعاً عالمياً، وقال رئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم ياسر المسحل إنها خطوة لتحويل أحلام الشعب إلى حقيقة، ودعوة للعالم ليشهدوا تطور المملكة وتجربة ثقافتها.
قصص مقترحة نهاية
فيما قال رئيس اللجنة السعودية لاستضافة كأس العالم 2034 حماد البلوي، إنهم حرصوا على تقديم كل الإمكانات التي من شأنها تقديم تجربة متميزة، من خلال توفير ملاعب ومرافق رياضية متكاملة، ومراعاة أعلى معايير السلامة والحقوق لكل المشاركين.
السعودية تغيرت خلال الأعوام الأخيرة، وأصبحت أكثر انفتاحاً على العالم، من خلال رؤية 2030، وهي خطة استراتيجية أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لتنويع الاقتصاد السعودي بعيداً عن الاعتماد على النفط فقط، ويلعب القطاع الرياضي دوراً رئيسياً فيها.
تابعوا التغطية الشاملة من بي بي سي نيوز عربي على واتساب.
اضغط هنا
يستحق الانتباه نهاية
وتسعى المملكة لتعزيز مكانتها على الساحة الرياضية عالمياً، باستضافة الأحداث الرياضية العالمية، كالسوبر الأوروبي لكرة القدم، والسوبر الإسباني والإيطالي والإفريقي والمصري، واستقطاب نجوم عالميين للمشاركة في الدوري السعودي - دوري روشن، مثل كريستيانو رونالدو وكريم بنزيما ونيمار وغيرهم، ما رفع مستوى اللعبة محلياً، وجذب اهتمام العالم للملاعب السعودية.
وبخلاف كرة القدم، نظمت السعودية أحداثاً رياضية أخرى كجائزة السعودية الكبرى في الفورميلا 1، والعديد من بطولات التنس والجولف والفروسية والرياضات الإلكترونية، وغيرها من الرياضات.
واستثمرت المملكة مليارات الدولارات لتطوير البنية التحتية الرياضية، وأسست شراكات عالمية عبر صندوق الاستثمارات العامة، الذي استحوذ على نادي نيوكاسل الناشط في الدوري الإنجليزي الممتاز بريميرليج، مع تعزيز العلاقات الدبلوماسية بالتعاون مع المؤسسات الرياضية العالمية كالاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا.
كذلك اهتمت بتمكين المرأة وإشراكها أكثر في الرياضة، وتوسيع الحريات الشخصية وزيادة الفعاليات الترفيهية والثقافية، ما جعل العالم أكثر انفتاحاً على فكرة تنظيم المنافسات العالمية في المملكة، التي أصبحت تتمتع بالعديد من المميزات الإضافية.
فقد مكنت القدرة المالية الهائلة للسعودية الدولة من تقديم ضمانات مالية لفيفا، الذي عقد بنفسه شراكة مع أرامكو، شركة النفط العربية السعودية، أكبر شركة نفطية في العالم من ناحية القيمة السوقية، والمملوكة من قبل الحكومة السعودية، وبموجب الاتفاقية باتت أرامكو شريكاً رسمياً لفيفا في مجال الطاقة، وداعماً للأحداث الكبرى ككأس العالم لكرة القدم للرجال 2026، وكأس العالم للسيدات 2027.
كما تحتل السعودية موقعاً متميزاً بين ثلاث قارات، آسيا وإفريقيا وأوروبا، ما يسهل قدوم المشجعين من مختلف الدول، وباتت التكنولوجيا توفر جواً أفضل في ملاعب مكيفة، مستفيدين من تنظيم دولة قريبة وهي قطر للحدث العالمي في 2022.
وعززت استضافة قطر للمونديال من تحول فيفا لإشراك مناطق جديدة في استضافة الأحداث الكبرى، ليصبح الشرق الأوسط لاعباً رئيسياً في المشهد الرياضي العالمي، خاصة مع نجاح تنظيم البطولة رغم الكثير من الانتقادات التي طالتها قبل انطلاقها.
انتقادات كثيرة
وبالرغم من الانفتاح الذي تشهده السعودية في السنوات الأخيرة، ورغم تأكيد فيفا على الالتزام بمعايير حقوق الإنسان والتنمية المستدامة، إلا أن العديد من المنظمات الحقوقية الدولية أبدت مخاوفها بشأن السجل السعودي في مجال حقوق الإنسان وحرية التعبير وحقوق العمال، وكذلك الاستدامة البيئية، والبعض اتهم فيفا بعدم الحيادية.
الاتهامات تعلقت بتقديم موعد التقدم بملفات لاستضافة مونديال 2034 ثلاث سنوات، ومنح مونديال 2030 لإسبانيا والبرتغال والمغرب، وخوض مباريات في أمريكا الجنوبية، ما يجعل الدولة المستضيفة في 2034 من آسيا أو أوقيانوسيا، مع منح أقل من شهر لتقديم ملف الترشح، ليصبح الملف السعودي هو الأكثر جاهزية.
وقالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" إن سجل السعودية مخزي في حقوق الإنسان، وهو ما رفض فيفا التعليق عليه، ووصفت منظمة العفو الدولية سجل حقوق الإنسان في السعودية بالمروع، وحذرت من مخاطر تتعلق بحقوق العمال والتمييز وحرية التعبير، وقالت إن استضافة كأس العالم في المملكة تتطلب إجراء تغييرات كبيرة في قوانين العمل، وإطلاق سراح النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان، وإلغاء القوانين ضد النساء والمثليين.
إلا أن وزير الرياضة السعودي الأمير عبد العزيز بن تركي الفيصل دافع عن حق استضافة البطولة، مشيراً إلى نجاح السعودية في استضافة أكثر من 85 حدثاً عالمياً بنجاح، وقال حماد البلوي إن المملكة حققت تقدماً كبيراً في هذا الشأن، وإنها تهدف لجذب أكبر عدد من المشجعين في الحدث الذي سيشهد مشاركة 48 فريقاً، وإن هذا التقدم هو جزء من التزام السعودية برؤية 2030.
فيفا ضمن تقييمه التاريخي للملف السعودي منح المملكة درجة متوسطة فيما يتعلق بمخاطر حقوق الإنسان، كما أشار التقرير إلى أن استضافة السعودية للبطولة قد تتسبب في إصلاحات في مجال حقوق الإنسان.
ويُعتبر الموقف الألماني هو أبرز ما يشير لتغير الموقف الغربي، إذ احتج لاعبو منتخب ألمانيا في مونديال قطر، معترضين على حرمانهم من ارتداء شارات مؤيدة للمثلية، بتكميم أفواههم قبل مباراتهم الافتتاحية أمام اليابان، وليقر قائد فريق ألمانيا جوشوا كيميتش بخطئه في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بعد عامين من البطولة، وقال إنه لم يكن ينبغي أن يعبروا عن موقفهم بهذه الطريقة السياسية، ودعا من سيشارك في البطولة بعد عشرة أعوام لأن يصب تركيزه على المسابقة فقط.
وبعد عامين من الاحتجاج، الذي وصفه محللون بالعنصري تجاه إقامة البطولة في بلد عربي، أعلن الاتحاد الألماني رسمياً أنه سيصوت للملف السعودي، وأن القرار تم اتخاذه من أعضاء الاتحاد الألماني بالإجماع.
جاهزية كبيرة
وتقدم السعودية 15 ملعباً مقترحاً تستوفي المعايير العالمية في خمس مدن، و16 مطاراً دولياً، وأكثر من 230 ألف وحدة فندقية و134 منشأة تدريب، ومشاريع قيد التنفيذ كالملاعب المزمع بناؤها ضمن مشروع مدينة نيوم التي ستشهد ملعباً على ارتفاع 350 متراً فوق سطح الأرض.
وللتغلب على درجات الحرارة العالية خلال أشهر الصيف، تدرس السعودية مناقشة تغيير موعد البطولة لتقام في الشتاء كما حدث مع قطر، إلا أن المقترح سيكون بتقديم نسخة 2034 إلى يناير/كانون الثاني بدلا من تأخيرها لنوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول كما أعلن فيفا، بسبب تعارض ذلك الموعد مع شهر رمضان.
وسيؤدي تنظيم كأس العالم في المملكة لزيادة الاستثمارات العالمية في المنطقة، وتدفق مليارات الدولارات عبر الرعاية والإعلانات، وانتعاش السياحة الرياضية، وتطوير الفنادق والمرافق السياحية، وخلق فرص عمل في مجالات البناء والنقل وغيرها.
وأكد كريم بنزيما لاعب الاتحاد السعودي على قدرة المملكة على استضافة الحدث، وقال إنه على كل من لدية فكرة مسبقة عن السعودية أن يأتي ليزورها أولا، إنها دولة مثيرة للاكتشاف وليست مجرد صحراء على حد تعبيره.
وسيساهم كأس العالم في السعودية في تعزيز سمعة السعودية عالمياً، وسيجذب المزيد من الانتباه الإعلامي العالمي لقدرة الدولة على تنظيم الأحداث الدولية، وسيكون منصة لعرض الثقافة السعودية على العالم، من خلال المهرجانات والفعاليات الثقافية المصاحبة، كما سيلهم الأجيال المقبلة، وسيشجع دول المنطقة على التقدم بملفات لاستضافة بطولات كبرى موازية، وسيعزز التنافسية ويرفع جودة الفعاليات الرياضية في المنطقة.
وستعود استضافة السعودية لكأس العالم بالنفع على كل الأطراف، إذ يرى الكثيرون أنها ستنظم المونديال الأفضل في التاريخ، فيما سيساعد الحدث على ظهورها بشكل مختلف أمام العالم، وهو ما تسعى إليه المملكة حالياً، وتتجه نحو تحقيقه.