ضيوف مختصون وجلسة ثرية تسلط الضوء على السؤال الأبرز في "ملتقى صناع التأثير"
ضمن فعاليات #ملتقى_صناع_التأثير، الذي اختتم أعماله أمس بتنظيم وزارة الإعلام، أدار الإعلامي ياسر السقاف جلسة حوارية بعنوان "من هو المؤثر؟"، شارك فيها كل من جيمي راي، المؤسس والشريك التنفيذي لشركة Buttermilk، والدكتور محمد الحجي، الباحث في العلوم السلوكية والاجتماعية، والدكتور طلال الطريفي، أستاذ التاريخ الوطني بجامعة الإمام محمد بن سعود؛ حيث تناولت الجلسة مفهوم التأثير، وناقشت التحولات التي طرأت عليه عبر العصور وصولًا إلى العصر الرقمي.
وقدمت الجلسة الحواريّة رؤية شاملة حول مفهوم المؤثر في العصر الرقمي، مع التأكيد على أن التأثير الحقيقي يعتمد على المصداقية، والكاريزما، والاتصال العاطفي، والإبداع، كما سلطت الضوء على الفارق بين المشهور والمؤثر، ودور القيم الأخلاقية والتخصص في بناء صورة المؤثر الحقيقي. الإبداع وجودة المحتوى
واستهل جيمي راي حديثه باستعراض مفهوم المؤثر في العصر الرقمي، مشيرًا إلى أن التأثير لم يعد مرهونًا بعدد المتابعين فقط، بل يعتمد بشكل أساسي على جودة المحتوى الإبداعي، وأوضح أن التطورات التقنية وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي أتاحتا للجميع فرصة أن يصبحوا مؤثرين، مما أوجد نوعًا من "الديمقراطية الرقمية" في صناعة التأثير.
وأشار "جيمي" إلى أن عدد المتابعين لم يعد معيارًا وحيدًا للتأثير، فالجودة والإبداع هما المحركان الأساسيان، مؤكداً أن أي شخص يستطيع أن يبرز كصانع تأثير إذا كان محتواه يحمل قيمة حقيقية، مستشهداً بتجربة صديقه لاعب الجولف الذي بدأ بنشر محتوى رياضي على “يوتيوب”، محققًا شهرة واسعة رغم كونه غير محترف في مجال صناعة المحتوى.
وأضاف أن عالم اليوم محكوم بـ"لغة الخوارزميات"؛ حيث تلعب منصات مثل "تيك توك ويوتيوب" دورًا محوريًا في تحديد انتشار المحتوى، وأكد أن المؤثر الحقيقي هو من يركز على تقديم محتوى فريد يتماشى مع اهتمامات الجمهور، بغض النظر عن عدد المتابعين. التأثير يرتكز على القيم والأخلاقيات
من جانبه، شدد الدكتور محمد الحجي على أهمية التزام المؤثرين بالإطار الأخلاقي والقيمي للمجتمع الذي ينتمون إليه، وأوضح أن أي خروج عن هذا الإطار قد يؤدي إلى تبعات سلبية على المجتمع والأفراد، واصفًا ذلك بـ"الظلم للمجتمع".
وأشار الحجي إلى أن التأثير الحقيقي يعتمد على ثلاثة عوامل أساسية: هي "المصداقية؛ وهي عامل جوهري يُبنى على التخصص والخبرة، فالمؤثر الذي يتحدث في مجال اختصاصه يكسب مصداقية أكبر من غيره"، و"الكاريزما؛ وهي القدرة على جذب الجمهور بسحر البيان وطريقة الطرح"، مشيراً إلى الكاريزما غالبًا ما تكون صفة فطرية، لكنها قد تكون أيضًا مكتسبة.
وعن العامل الثالث، نبه "الحجي" إلى "الاتصال العاطفي؛ حيث يجب على المؤثر أن يخاطب جمهوره بمزيج من العقل والعاطفة، لأن القصص والحكايات التي تتضمن مشاعر إنسانية قادرة على تعزيز العلاقة بين المؤثر وجمهوره".
كما دعا "الحجي" المؤثرين إلى اختيار القضايا التي تخدم المجتمع، مشيرًا إلى أهمية التركيز على القضايا الوطنية والاجتماعية التي تعزز من القيم وتترك أثرًا إيجابيًا طويل الأمد، وأكد أن التعاون مع خبراء من مختلف التخصصات يمكن أن يساعد المؤثر في إيصال رسائل قوية ومؤثرة. المؤثر بين الماضي والحاضر
وقدم الدكتور طلال الطريفي تحليلاً شاملاً حول مفهوم المؤثر عبر العصور، مشيرًا إلى الفرق الجوهري بين "المشهور" و"المؤثر"، موضحًا أن الشهرة لا تعني بالضرورة التأثير، فالشخص قد يكون معروفًا دون أن يمتلك القدرة على تغيير قناعات أو سلوكيات الآخرين.
وأشار "الطريفي" إلى أن أدوات التأثير تغيرت بشكل جذري عبر العصور، ففي الحضارات القديمة، كان التأثير يستمد من القوة السياسية أو الدينية، كما هو الحال مع الملوك والكهنة الذين كانوا يحتلون مكانة بارزة في المجتمع، واستشهد بتأثير الشعراء والخطباء في العصور القديمة، مثل قيس بن الملوح (مجنون ليلى)، الذي تجاوز تأثيره حدود الزمان والمكان، وترك أثرًا واضحًا في الثقافة العربية والعالمية.
أما في العصر الرقمي، فأصبح التأثير يعتمد على أدوات جديدة كمنصات التواصل الاجتماعي وعدد المتابعين، وهو ما وصفه بـ"الجماهير الرقمية”.
وأكد "الطريفي" أن التأثير اليوم قد يكون سطحيًا في بعض الأحيان، بسبب سهولة الوصول إلى المنصات الرقمية، ومع ذلك، شدد على أن المؤثر الحقيقي هو من يقدم محتوى يحمل قيمة ويترك أثرًا إيجابيًا، وأشار إلى أن "التأثير الحقيقي" يظل مرتبطًا بالقدرة على تغيير السلوكيات والقناعات بشكل مستدام، سواء من خلال المحتوى الفكري أو الثقافي أو الاجتماعي. التأثير بين الأصالة والمعاصرة
واختتمت الجلسة بتأكيد المشاركين على أن التأثير الحقيقي يتطلب تحقيق توازن بين الأصالة في الطرح والمعاصرة في الأدوات سواء كان ذلك من خلال الالتزام بالقيم الأخلاقية أو تقديم محتوى إبداعي يتماشى مع متطلبات العصر الرقمي، فإن المؤثر الحقيقي هو من يستطيع إحداث تغيير إيجابي في المجتمع، مع تعزيز العلاقات الإنسانية مع الجمهور.