وعيت على هذه الدنيا على معنى حقيقي للصداقة المكتوبة بكل تفاصيلها. الصداقة الأصيلة ذات القيم والمبادئ، معاني تتجسد في هذه الإنسانة والأم المبتسمة دائماً، حبيبتي وخالتي وصديقة والدتي المخلصة، الدكتورة الفاضلة صديقة علي العوضي، والتي لها من اسمها نصيب. تأتي لزيارتنا بتفاؤلها، وتغادر تاركةً عبق هذا التفاؤل في بيتنا.
صوتها عبر الهاتف يحمل حباً كبيراً، وسؤالها عنا يمنحنا شعوراً بالأمان وراحة يصعب وصفها. لها لغة حديث مميزة، خليط جميل من كلمات المديح والإيجابية، وواقعية عميقة يصعب شرحها.
«دكتورة» كنا نناديها، كما كان والدي، رحمه الله، يناديها تقديراً لجهودها من أجل هذا الوطن الطيب واهتمامها الكبير به. تراب الأرض يحبج دكتورة...
طفولتنا معها تتلخص في أربع كلمات: حب، اهتمام، افتخار، وتقدير.
أتذكر كلما طلبت مساعدتها في أبحاثي المدرسية، وجدتها تأتي بنفسها إلى منزلنا، تناديني وتسلمني الملف مليئاً بالمعلومات والصور. كانت سعيدة بي وبإنجازاتي الصغيرة، دائماً تسعى للخير رغم مشاغلها الكثيرة.
وأتذكر عندما تخرجت في الثانوية العامة والجامعة، كانت أول المهنئين. كانت تجلب لي هديتها وفرحتها بتخرجي، فرحة صادقة. وعندما تزوجت وأنجبت أبنائي، لم تنسني رغم مشاغلها. كانت حريصة على تهنئتي بهداياها الجميلة ذات التفاصيل الدقيقة، تفاصيل صنعت لي ذكريات خالدة، لأنها صادقة ونابعة من القلب.
صورتها لا تفارقني أبداً؛ ذلك الوجه المبتسم البشوش المفعم بالحيوية رغم ظروف الحياة وقسوتها. دائمة المدح والنصح..
وخلال سنوات غربتي، كانت تتصل بي دائماً لتسأل عني وتخاطبني بكلماتها الخاصة: «هلا بالشيخة... أسأل عنج يا بطلة»، فتشعرني أنني أفضل إنسانة على هذا الكوكب.
كلماتها المليئة بالحب والدعم والاهتمام كانت مصدر راحة لي.
أراحكِ الله في قبركِ بقدر اهتمامكِ وحبكِ لهذه البشرية.
من النادر أن تكون لديك علاقة مع إنسان لأكثر من خمسين عاماً دون أن تبدر منه كلمة مزعجة أو تصرف يسبب الضيق. لم نجد منها غير الحب والاهتمام والسلامة.
كانت دائماً تسعى بحب لجمع القلوب وتوفيق رأسين بالحلال. صدقاتها الخفية الدائمة للمحتاجين طوال هذه السنوات، رغم مشاغلها، شيء يُدرّس.
في كل زاوية من حياتي، أجد أثراً للدكتورة صديقة علي العوضي. تلك المرأة التي لم تكن فقط خالتي أو صديقة والدتي، بل كانت جزءاً من روح عائلتنا. من طفولتي المبكرة، كنت أترقب زياراتها، وهي تدخل بيتنا بابتسامة مشرقة وكلمات دافئة تبعث فينا الأمل. لم تكن فقط داعمة لي في صغري، بل رافقتني في كل مراحل حياتي؛ كانت هناك في نجاحاتي وفي محطاتي الفارقة.
دكتورة صديقة العوضي، إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، وإنا على فراقكِ لمحزونون. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
اللهم ارحمها واغفر لها، ووسع مدخلها، واغسلها بالماء والثلج والبرد، ونقّها من الذنوب والخطايا كما يُنقّى الثوب الأبيض من الدنس.
ابنتك: ثاجبة عبدالوهاب العوضي