حمل استعادة الجيش السوداني لمدينة "ود مدني" عاصمة ولاية الجزيرة بعد سيطرة قوات الدعم السريع عليها لأكثر من سنة، العديد من الرسائل المهمة، التي رآها كثيرون "نقطة تحول" في سير المعركة الممتدة منذ أبريل 2023، وانتصاراً كبيراً احتفى به السودانيون داخل بلادهم وخارجها وعلى منصات التواصل الاجتماعي.
وقال الجيش السوداني في بيان، إن قواته دخلت، صباح السبت، المدينة التي تقع على بعد أقل من 200 كيلومتر جنوب العاصمة، وتعمل على تنظيف "جيوب المتمردين"، فيما قال قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو: "اليوم خسرنا جولة لكننا لم نخسر المعركة".
نقطة تحوّل
وتقول صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، بحسب موقع الحرة، إن تمكن الجيش من الاحتفاظ بالمدينة، سيكون "الانتصار الأكثر أهمية" منذ بداية الحرب قبل نحو عامين، معتبرة أن هذا التطور هو "نقطة تحول" في الحرب الدائرة والتي أدت إلى مجازر وتهجير جماعي وجوع متزايد في واحدة من أكبر دول أفريقيا، كما أنه "يوجّه التركيز نحو الشمال، باتجاه العاصمة الخرطوم. مع ذلك، تقول الصحيفة إنه من المبكر القول ما إذا كانت هذه الانتصارات ستغير مسار الصراع بشكل جذري.
بوصلة الجبهة نحو الخرطوم
موقع سودان وور مونيتور، قال إن هذا التطور يمكن أن يسمح لآلاف الأشخاص الذين تشردوا بسبب القتال في ولاية الجزيرة بالعودة إلى ديارهم، رغم أنه يهدد بتهجير جديد في أماكن أخرى مع تحول بؤرة القتال.
يُحَوِّل سقوط ود مدني خط الجبهة نحو الشمال باتجاه ولاية الخرطوم، ليقترب من الوضع الذي كان قائماً قبل أكثر من عام، عندما اجتاحت قوات الدعم السريع ولاية الجزيرة.
وقد تصبح القرى الشمالية لولاية الجزيرة، بالإضافة إلى ضواحي وقرى ولاية الخرطوم جنوب العاصمة، ساحة معركة جديدة، حيث أن الخرطوم الآن أصبحت هدفاً في الحرب.
نهاية سيطرة الدعم السريع على الجنوب
تعدُّ ود مدني، التي تقع على ضفاف النيل الأزرق، بوابة تمكنت قوات الدعم السريع من خلالها من توسيع سيطرتها على مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية والقرى في وسط السودان، بما في ذلك ولايتي الجزيرة وسنار.
وتتمتع منطقة الجزيرة بأهمية، كونها واحدة من أكثر المناطق الزراعية خصوبة في البلاد. واستعادة الجيش السوداني لمدينة ود مدني سينهي أو يحد من تهديد قوات الدعم السريع لولايات السودان الجنوبية، باستثناء ولاية النيل الأبيض.
وفي ظل التطور الأخير، يمكن للجيش السوداني الآن التقدم شمالاً نحو الخرطوم، العاصمة، مما يغير مجرى الصراع باتجاه المركز السياسي للبلاد. كما فقدت قوات الدعم السريع أراضٍ في أماكن أخرى، بما في ذلك في ساحات المعارك الحضرية الرئيسية، مثل أم درمان والخرطوم بحري.
وإذا استمرت هذه الاتجاهات، بحسب "الحرة" فإن سيطرة قوات الدعم السريع في وسط السودان ستستمر في التناقص، رغم أنها تظل مسيطرة على أجزاء كبيرة من غرب السودان.
ولا تزال قوات الدعم السريع تسيطر على مناطق شمال ود مدني على ضفتي النيل، بالإضافة إلى أنها كانت تسيطر على مناطق جنوب ود مدني قبل سقوط المدينة. ومن المحتمل أن تقوم قوات الدعم السريع بإخلاء عناصرها من تلك المنطقة، إذا لم تكن قد فعلت ذلك بالفعل، لتجنب الحصار.
"قلب الزراعة" والعاصمة الثقافية
وفي أبريل الماضي أشار مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأمريكي، إلى أن سيطرة قوات الدعم السريع على ود مدني، "العاصمة الثقافية والزراعية"، والأراضي الواقعة على ضفاف النيل، أحدث صدمات في صفوف الجيش السوداني، وبالمثل، ساد الذعر بين المدنيين.
وتعد ود مدني مركزاً للزراعة في السودان، خاصة في ولاية الجزيرة التي تشتهر بإنتاج المحاصيل الزراعية مثل القطن والقمح والذرة. والسيطرة على هذه المدينة، تتيح للجيش السوداني تحكماً أكبر في القطاع الزراعي، الذي يُعد من أهم مصادر الدخل في البلاد.
تضيف الدراسة، أنه إذا تمكنت القوات المسلحة السودانية من استعادة السيطرة على العاصمة السودانية الخرطوم، إلى جانب العديد من المدن الاستراتيجية والسياسية المهمة، مثل سلة الغذاء "ود مدني" ومركز النقل الأبيض، فقد تكون راضية عن إعادة تأكيد سلطتها على جزء من السودان فقط، وترك الأطراف "الأقل رغبة" في دارفور.
وأسفرت الحرب التي اندلعت في السودان منذ حوالي 20 شهراً عن مقتل الآلاف، وسط تقديرات تتراوح بين 20 ألفاً و150 ألف شخص، بالإضافة إلى ما يقدر بنحو 11 مليون نازح، في أزمة اعتبرتها الأمم المتحدة إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية في التاريخ الحديث.