ناقش خبراء في مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع ونخبة من التربويين والخبراء الخليجيين، خلال ندوة استكشافية حول إمكانات التعليم ثنائي اللغة اليوم، كيفية تحقيق التوازن بين الهوية الوطنية وسبل الحفاظ على اللغة الأم واحتضان الثقافات العالمية في المناهج التعليمية، وأهمية تدريس الحضارة الإسلامية في المدارس الدولية، وتعزيز الابتكار والتميز في المجال التعليمي.
وخلال الندوة، التي استضافها معهد التطوير التربوي - عضو مؤسسة قطر، سلطت الدكتورة عائشة المقبالي المدير العام لأكاديمية قطر - الخور، الضوء على تجربة الأكاديمية في تطبيق نموذج التعليم ثنائي اللغة، مشيرة إلى التحديات التي يواجهها الطلاب المحليون عند انخراطهم في بيئة تعليمية تعتمد أساسا على اللغة الإنجليزية.
ونوهت إلى أن اعتماد هذا النموذج منذ عام 2008 جاء استجابة لاحتياجات المجتمع، قائلة "كان تبني نموذج التعليم ثنائي اللغة خطوة مليئة بالتحديات، ولكنها كانت ضرورية لتلبية رغبة المجتمع في توفير نظام تعليمي يعزز الهوية الثقافية واللغوية لا سيما اللغة العربية والدراسات الإسلامية، مع الانفتاح على عناصر التعليم الدولي.. وكانت هذه الرؤية الطموحة هي المفتاح الرئيسي لريادة مدارسنا".
ولفتت إلى مواجهة العديد من الطلاب، في البداية، تحديات تتعلق بإتقان اللغة الإنجليزية، لكنهم اكتسبوا بمرور الوقت الثقة والقدرة على استخدام كلتا اللغتين بطلاقة، في إطار الحرص على تخريج طلاب ثنائيي اللغة قادرين على التواصل والنجاح في بيئات عالمية متنوعة، مؤكدة على الدور الأساسي الذي يلعبه المجتمع في نجاح هذه النماذج التعليمية، ومعتبرة المجتمع عنصرا رئيسيا في تشكيل ودعم نماذج التعليم التي ينبغي تصميمها بما يتناسب مع احتياجات البيئة المحيطة.
وفي إحدى الجلسات النقاشية، استعرضت الدكتورة مارتين إيلي مدير مكتب البحوث والتقويم في التعليم ما قبل الجامعي بمؤسسة قطر، والدكتور محمد محجوب الباحث التربوي بمكتب البحوث والتقويم، نتائج دراسة حديثة ركزت على ثلاث مبادرات رئيسية هي التعليم ثنائي اللغة، "أخلاقنا"، و"راسخ" لتوطين المناهج، وهدفت إلى تحقيق توازن بين المناهج العالمية والمحلية مع تعزيز الهوية الوطنية والثقافة والمعرفة المحلية، والحفاظ على اللغة العربية.
وذكرت الدكتورة إيلي أن البيانات أظهرت تأكيد أكثر من 90 % من أولياء الأمور على أهمية الحفاظ على اللغة العربية مع تحقيق التوازن بين اللغتين العربية والإنجليزية مما يعكس وعيا متزايدا بقيمة التعليم ثنائي اللغة، وكشفت عن مفارقة تتمثل في استخدام الأطفال اللغة العربية في المنزل بصورة أكبر، لكن المحتوى الذي يشاهدونه عبر الإنترنت والتلفزيون غالبا ما يكون باللغة الإنجليزية، معتبرة أن هذا الواقع يبرز الحاجة إلى مبادرة توطين المناهج لتوفير المزيد من المصادر التعليمية والمحتوى الإعلامي باللغة العربية مما يعزز وصول الطلاب إلى محتوى يتناسب مع ثقافتهم.
من جانبه، أبرز الدكتور محمد محجوب أن اللغة ليست مجرد وسيلة للتواصل بل هي حاضنة للقيم والثقافة والهوية، قائلا في هذا الخصوص "إذا فقدنا لغتنا، فإننا بذلك نفقد هويتنا وثقافتنا.. ولذلك فإن غرس الهوية الثقافية في المناهج التعليمية ليس خيارا بل ضرورة ملحة لضمان حفظ الأجيال القادمة لأصالتها وسط تحديات العولمة"، ومشددا على عدم اكتفاء مؤسسة قطر بنقل المناهج الدولية بشكل حرفي بل تعمل على تطويرها وتكييفها بما يتناسب مع البيئة المحلية مما يسهم في تعزيز ارتباط الطلاب بواقعهم وثقافتهم، ما يجعل المؤسسة التعليمية رائدة في قطاع التعليم المبتكر.
كما أشار إلى الأثر الإيجابي للتعليم ثنائي اللغة على العلاقة الوثيقة بين مؤسسة المدرسة والمجتمع الأوسع، موضحا أن المبادرات التعليمية، مثل نموذج التعليم ثنائي اللغة، ساعدت في إعادة ربط الأسر بالمدارس من خلال تعزيز القيم المشتركة وزيادة التفاعل بين المدرسة وأولياء الأمور.
وفي ختام الجلسة، أكد الدكتور محجوب أن تعزيز الهوية الثقافية واللغوية في التعليم أمر محوري خاصة في ظل تنوع المجتمع القطري، حيث تعتبر اللغة العربية أساسا للهوية الوطنية وتلعب دورا حاسما في تحقيق رؤية قطر التعليمية.
وسلط هذا البرنامج الضوء على التزام مؤسسة قطر بتوفير تعليم شامل يجمع بين الانفتاح العالمي والحفاظ على الهوية الوطنية، مع التركيز على التعليم ثنائي اللغة كعنصر أساسي لإعداد طلاب متمكنين لغويا ومتمسكين بجذورهم الثقافية، وأبرز دور معهد التطوير التربوي في قيادة الابتكار التعليمي، وتطوير التجارب التعليمية عالميا.