هدى النعيمي كاتبة قطرية يتمتع إبداعها بالصدق والتعبير عن تحولات الإنسان العربي على مدى السنوات العديدة، حيث تتنوع أعمالها بين الرواية والسيرة الذاتية والقصة القصيرة والنقد ومسرح الطفل.
في روايتها الجديدة "زعفرانة"، عادت هدى إلى التاريخ من خلال تسليط الضوء على حرب ظفار والفترة الزمنية الطويلة التي شهدتها المنطقة. وترى أن التاريخ يحمل الكثير من الأسرار والغموض، ومن واجب الروائيين إلقاء الضوء على هذه الجوانب لإثراء القارئ بمعرفته بتاريخ منطقته.
وتعتبر د. هدى في حوار لـ "العرب"، أن الرواية تمثل شكلاً أدبياً جاذباً للقراء، وتعزو النعيمي تأخر ظهور الرواية على الساحة القطرية إلى عدم توافر دور نشر محلية، ومع ظهورها ساهمت في تدعيم الإنتاج الأدبي، وبدأ الإبداع الروائي القطري بالازدهار.. وفيما يلي نص الحوار:
= بداية.. ما دوافعك للكتابة؟
حاول الكثيرون قبلي الإجابة عن هذا السؤال، ولا توجد إجابة محددة، وأعتقد أن الكتابة تفرض نفسها على الكاتب المبدع، عندما يكون هناك ما يقال. أعتقد أن الكتابة تحمل سراً للتشافي، قرأت هذا العنوان لإصدار أدبي قريب، لا أختلف مع صاحب المقولة، لكنني لا أحصر الكتابة لغرض التشافي، ولكنها من أغراضها السامية. للكتابة شغف خاص وسحر خاص، ولحن يلاحق الكاتب أينما ذهب. الكتابة فعل مستمر، سواء خرجت الكلمات مرسومة على الورق، أو تجمهرت على حافة الصفحات تنتظر الخروج، كلماتي كثيراً ما تتجمهر أمامي في انتظار السكب على شاشة الحاسوب، أكتب كي أكون أنا، وكي أحيا بالشكل الذي أريد من خلال كلماتي.
= سبق لك أن كتبت القصة والرواية والمقالة، والنقد الأدبي وغيرها.. أي من هذه الأجناس أقرب إليك؟ ولماذا؟
ـ لكل جنس أدبي روح خاصة به، وامتزاج خاص بالتعبير، كتبت بالفعل في عدة أجناس أدبية، حتى الشعر، خرجت الكلمات يوماً في شكل قالب شعري، لم أحاول أن أدخل هذا العالم، لكن الشعر يتداخل مع السرد، وكثيراً ما يصير السرد شعراً، يصير معي هذا كثيراً، ويبقى السرد عندي سيداً سواء للقصة القصيرة أو الرواية، أخذتني الرواية مآخذ كثيرة، أدخلتني تاريخاً وعرفتني على شخصيات، وعاشت معي تلك الشخصيات شهوراً طويلة، حتى أن البعض منها لا يزال يطالب بدوره في الحكي داخل الرواية، حتى بعد صدورها، هذا الأمر لم أعتد عليه مع كتابة القصة القصيرة، أما المقال، فهو ما أراه وما أود طرحه بطريقة مباشرة دون وسيط كشخصيات روائية، أو قصصية أو خيالات مروية، لكل جنس من هذه الأجناس متعة خاصة في الكتابة، ومتعة خاصة عند النشر، وعندما يأتي رد الفعل جميلاً من المتلقي، ويبقى السرد الأدبي – بالنسبة لي – سيد الموقف.
أنا وغزة
= أين أنت اليوم كأديبة مما يجري حولنا؟
ـ ما يجري حولنا في العالم العربي، وما يجري في غزة بالتحديد، لا يعنيني كأديبة أو ككاتبة فقط، إنما يعنيني كإنسان عربي من هذه الأرض، يعنيني كجزء من الجيل الذي نشأ على كلمة "فلسطين بلادنا، وفلسطين قضيتنا الأولى"، أشارك الرأي على منصات التواصل الاجتماعي، وأتمنى لو أنني أصنع أكثر، صنعت أكثر من أقصوصة مصنوعة من الحزن، والدم، عصية على القراءة، وعصية على النشر، لكنها ستنشر.
*ماذا تعني لك رواية "زعفرانة"، التي تعد باكورة أعمالك الروائية، والتي جاءت بعد صدور كتاب "حين يبوح النخيل"، الذي يرصد السيرة الذاتية لمسيرتك العلمية والأدبية؟
ـ سبق كتابة "زعفرانة" عدة محاولات روائية، على مدى سنوات ماضية بدأت في كتابة رواية، ثم أخرى، ثم أخرى، كادت بعضها أن تنتهي لكنها لم تصل إلى سطرها الأخير كما فعلت زعفرانة، عندما بدأتها كانت قد أخذت وقتا طويلا بداخلي، ثم إنها خرجت لتعبر عن نفسها بقوة، لذلك كان خروجها كرواية مطبوعة فرحة كبيرة، وإحساسا جميلا لم أشعره مع الكتابات السابقة، حتى أنها فتحت شهية الكتابة أمامي، وساعدتني كثيراً على التمسك بالكتابة الإبداعية.
* ما أسباب تأخر ظهور الرواية على الساحة القطرية؟
ـ طالما تساءلت فعلاً لماذا تأخرت الرواية في الظهور في قطر، حتى صارت آخر دول الخليج العربي في إصدار الرواية، فقد صدرت أول روايتين قطريتين على يد الأختين دلال وشعاع خليفة في عام 1994، وقد تجشمت دلال وشعاع مشقة السفر إلى بيروت لطباعة روايتيهما، وربما كان السبب في هذا التأخر هو عدم وجود دور نشر في قطر لسنوات عديدة، وقام بدور الناشر المؤسسات الإعلامية الصحفية، مثل العروبة والثقافة وغيرها في ذلك الحين، حتى أن تلك المؤسسات قامت بطباعة مجموعات قصصية لبعض الكتاب ممن نشر فيها قصصه القصيرة بما يكفي أن تقدم في كتاب، وربما اكتفى الكاتب القطري بهذا الدور، فلم يحاول كتابة الرواية حتى التسعينيات، وعندما فتحت دلال وشعاع باب الرواية القطرية، بدأ كم كبير من الكتاب القطريين في نشر رواياتهم، وخاصة وقد وجدت عدداً كبيراً وتنافسياً من الناشرين المحليين في الدوحة اليوم.
الأدب النسائي
* ما تقييمك للأدب النسائي في قطر؟ وهل هناك ما يلوح في الأفق عن ظهور نخبة من النساء المتميزات في عالم الرواية، والقصة واللاتي من المؤمل أن يكون لهن دور في الساحة الأدبية؟
ـ إذا ابتعدنا عن تسمية "الأدب النسائي" وأطلقنا مسمى "الأدب الذي تكتبه النساء" لكان خيراً لنا جميعاً، وأما في قطر، فبالفعل لدينا أسماء كثيرة من النساء من أجيال مختلفة، لا أستطيع أن أتكهن ماذا يلوح في أفق الرواية القطرية، ولكنني أظن أن رواية المرأة الخليجية بشكل عام تبشر بخير كثير وبمستقبل جميل، أسماء كثيرة اليوم مثل د. كلثم جبر، ونورة آل سعد في قطر، ورجاء عالم في السعودية، وبثينة العيسى في الكويت، وبشرى خلفان في عمان، وغيرها من الأسماء الروائية الجادة والمخلصة للفن الروائي. كل هذه الأسماء النسائية، وغيرها ستجعل الرواية الخليجية تنافس بقوة على الساحة العربية.
= نجد أن أغلب الناس في وقتنا الحالي بعيدون عن القراءة وطقوسها على الرغم من أهميتها.. ماذا يعني ذلك؟ وكيف يمكن أن نعيد للكتاب ألقه ومكانته؟
ـ بداية الحل ونهايته في النظام التعليمي في بلادنا العربية، فالاهتمام بالقراءة يبدأ من المدرسة، والمناهج التعليمية، هكذا نشأنا مع نظام يجعل من حصة المكتبة الأسبوعية مجالاً للاطلاع على كتب من خارج المنهج الدراسي.
= الجوائز الأدبية هل تخلق حافزاً للإبداع؟ أم ترف لا بد منه؟
ـ أتذكر جيداً في تسعينيات القرن الماضي، كان الحديث عن عدم وجود حافز للمبدع للمنافسة، وبالتحديد كان الحديث حول غياب الجوائز الأدبية هو الحديث السائد والشكوى لا تمل من التكرار، ثم أنها بدأت تظهر هذه الجوائز، جائزة بعد أخرى، حتى لا يكاد يمر شهر، دون أن نسمع عن مسابقة في الكتابة الإبداعية، سواء كانت في إطار الرواية، أو القصة القصيرة، أو حتى في مجال النقد أو الشعر. كثرت الجوائز، وتعددت المسابقات حتى صار الإعلان عن رواية ما أو ديوان شعر، هو حول المبدع الحاصل أو المتقدم على جائزة ما، وليس النقد الموضوعي من النقاد الكبار كما كان في السابق، وهنا تكمن الخطورة، فالجائزة لا شك تشكل حافزاً للتنافس بين المبدعين، وإن اعتُمِد على الجوائز فقط لتقييم ما يصدر من كتابات إبداعية، فسوف نظلم المبدع الذي لا يضع نفسه في هذا الموضع، الجوائز ليست ترفاً، ولكنها سلاح ذو حدين.
= كيف تنظرين إلى الرواية العربية اليوم؟
ـ أشعر بالفرح، والفخر لما وصلت له الرواية العربية اليوم، مما يمكنها من المنافسة عالمياً إذا أتيح للجيد منها أن يأخذ حظه من الترجمة، وهذه قضية كبيرة، فالكثير من الروايات العربية الرائعة لم تجد حظها من الترجمة حتى اليوم، وهذا يدعو إلى الحزن.
ولادة كاتبة
= هل أنصفك النقاد؟ وكيف تنظرين إلى هذا الجانب؟
كان لي حظ جميل مع النقد والنقاد منذ صدور مجموعتي القصصية الأولى "المكحلة" عام 1997، حتى أن البعض تنبأ حينها بولادة كاتبة عربية جيدة، لكن حظوظ بعض الإصدارات من النقد لا تتشابه. فكتابي "قمط" وهو مجموعة قصص تدور حول مجلات الطفل التي صدرت في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وقد صدر عام 2021 لم يلق حظاً جيداً من النقد كما توقعت له، وهو الذي أخذ من وقتي الكثير من البحث والتنقيب عن المجلات القديمة، لكنه الحظ، ففي الفن أيضاً يوجد من هو "ذو حظ كبير"، أو العكس.
= كيف تقرئين دور المثقف في التغييرات السياسية والاجتماعية؟
ـ مع الأسف، هو دور متواضع لا يليق بحجم المثقف العربي.
= ماذا عن مشاريعك الأدبية المستقبلية؟
مشاريع كثيرة، وكل النوافذ مفتوحة بانتظار القرار بهذا الاتجاه، أو ذاك، والقرار قيد الدرس إلى أجل غير مسمى.
-------------
((((برواز))
هدى النعيمي في سطور
كاتبة قطرية، حاصلة على الدكتوراه في مجال الفيزياء الحيوية الطبية، وسبق لها أن عملت لسنوات داخل المؤسسة الطبية في قطر، من خلال تخصصها العلمي.
نشرت العديد من أوراق العمل في دوريات عالمية، وشاركت في العديد من المؤتمرات العالمية كباحثة في مجال التخصص. حاصلة على عضوية عدد من المنظمات الدولية في مجالها، كما حصلت على عدد من الشهادات التقديرية، والجوائز العالمية لجهودها ترسيخ علم الفيزياء الطبية في قطر، وحصلت على جائزة الدولة التشجيعية عام 2018.
في المجال الأدبي، بدأت بالنشر خلال المرحلة الجامعية، تركزت كتاباتها الأولى على الخاطرة الأدبية، والقصة القصيرة، ثم كتبت المقال الأدبي والنقدي في عدد من الصحف القطرية والعربية الصادرة داخل وخارج الوطن العربي، وحرصت على المشاركة في الحياة الثقافية في العالم العربي كافة، فحضرت وشاركت في عدد كبير من المؤتمرات والمهرجانات الثقافية على امتداد الوطن العربي، وصدر لها العديد من الروايات والمجموعات القصصية.