حسين الحربي
في هذه الزاوية سنطوف حول قامات سعودية ساهموا في الحركة الأدبية في المملكة العربية السعودية من شعر ونثر ورواية نستذكرهم هنا في كلمات بسيطة لا توفيهم حقهم، نلقي الضوء عليهم، ومن هنا نضع أسماء من تجود الذاكرة باستدعائه علّ يكون هناك من يلم شتات أعمالهم ويجمعها تثميناً لما قاموا به من جهد على امتداد عقود.
سليمان الفليح
ما بين الكويت والسعودية والأردن عاش الراحل سليمان الفليح المولود في عام 1951م حيوات كثيرة ظل هاجس الترحال والاغتراب الموحش يسيطر على نتاجه منذ ديوانه الأول «الغناء في صحراء الألم»، حمل هموم وأحزان «البدو الرحل» وهو أولهم، لم يتخل عن إنسانيته وبساطته وعطائه ظل إنساناً أولاً، وشاعراّ، ومبدعاً، جامعاً بين تراث الصحراء والحداثة. حمل معه أحلامه وأحزانه الخاصة التي جلبها مع تجربته الشخصية، ومسيرة صراعه مع الحياة والوجود، عبّر عنه بقصائد سجلها في دواوينه الشعرية التي ترجمت إلى الإنجليزية، والفرنسية، والروسية: «ذئاب الليالي»، و»الرعاة على مشارف الفجر»، و»البرق فوق البردويل»، ومقالاته الصحفية «هذرولوجيا» التي لم تخل من تأمُّل فلسفي وعميق، مثقف عميق من خلال قراءاته وتجاربه، صاحب وعي فارق، منفتح على تعددية الثقافة والفنون وتلاقيه في نهر الحياة.
قال الكاتب والروائي شتيوي الغيثي في دارسة بعنوان: «حداثة البدوي: قلق الهوية في الخطاب الشعري.. سليمان الفليّح أنموذجاً» نال عليها درجة الماجستير: «لا أعرف شاعراً سعودياً يكتب القصيدة الحداثية الفصيحة أكثر بداوة من سليمان الفليح -رحمه الله- وكل الشعراء الذين استهدفوا هذه الثيمة الشعرية جاؤوا متأخرين عنه، فهو الذي فتح باب الوعي الشعري الحداثي على الاشتغالات البدوية بوصفها اشتغالات رمزية وشعرية يمكن الوقوف عليها، ليس بوصفها موضوعاً شعرياً فحسب؛ وإنما وعي بأهمية الانطلاق من الذات الشعرية رغم الإمكانات التي تتيحها الحداثة الشعرية في وقته إلى آفاق أوسع، لكنه فضّل أن تبقى القصيدة لديه قصيدة بدوية مع كل تلك الحداثة التي انطلق منها في صياغة تراكيبه الشعرية؛ خصوصا إذا ما عرفنا أن هذا الوعي كان مبكراً جداً منذ منتصف السبعينات التي بالكاد خطت الحداثة السعودية الشعرية خطواتها نحو التجديد الشعري، إلا أن الفليح كان أكثر وعياً بهذه الحداثة في وقت أبكر دون التخلي عن المضامين البدوية رغم محاولات التجديد على مستوى الصورة والتراكيب والشكل الشعري.
التقى الراحل بكبار الشعراء المصريين بمقهى ريش عبدالرحمن الأبنودي، فؤاد حداد، أمل دنقل، صلاح عبد الصبور وغيرهم.
عاش مع أفكارهم جميعا وانصهرت شاعريته وتعمقت تجربته الإنسانية، حط رحاله في أغسطس 2013 م بأحد مستشفيات عمان العاصمة الأردنية، وأسلم روحه لبارئها عن عمر ناهز 62 عاماً.