يوسف حمود - الخليج أونلاين
يعد الاجتماع هو التحرك العربي الإقليمي الأول من نوعه لمناقشة مستقبل سوريا الجديدة بعد هروب بشار الأسد
اكتسبت "اجتماعات العقبة" حول التطورات في سوريا أهمية كبيرة، في ظل التحولات الكبيرة التي تشهدها الساحة السورية عقب سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد وسيطرة المعارضة المسلحة.
وشهدت مدينة العقبة الأردنية أول الاجتماعات العربية والدولية لبحث تطورات المشهد السوري، حيث اختتمت بالدعوة إلى حوار شامل في سوريا لإتمام عملية انتقالية سياسية سلمية برعاية الأمم المتحدة والجامعة العربية، وبإدانة التوغل الإسرائيلي في الأراضي السورية التي احتلتها أخيراً.
ويعد الاجتماع هو التحرك العربي الإقليمي الأول من نوعه لمناقشة مستقبل سوريا الجديدة بعد هروب بشار الأسد وانهيار نظامه وسيطرة قيادة جديدة على المشهد بشكل شبه كامل، إلا أنه أثار جدلاً حول غياب التمثيل السوري فيه.
اجتماعات مكثفة
استضافت مدينة العقبة جنوبي الأردن اجتماعاً (14 ديسمبر) لما عرف بـ"لجنة الاتصال العربية بشأن سوريا"، والتي تضم الأردن، والسعودية، والعراق، ولبنان، ومصر، والأمين العام لجامعة الدول العربية، إضافة إلى حضور وزراء خارجية الإمارات، والبحرين، الرئيس الحالي للقمة العربية، وقطر.
وأعقب اجتماع اللجنة، الذي غاب عنه ممثلون عن الثورة والقيادة السورية الجديدة، لقاءات مع وزراء خارجية تركيا والولايات المتحدة وفرنسا، وممثلين عن بقية أعضاء اللجنة المصغرة بشأن سوريا (بريطانيا وألمانيا)، إضافة إلى الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، والمبعوث الأممي لسوريا غير بيدرسون.
وأكد البيان الختامي للاجتماع "الوقوف إلى جانب الشعب السوري الشقيق واحترام خياراته، ودعم عملية انتقالية سلمية تمثل كل القوى السياسية والاجتماعية"، كما دان "توغل إسرائيل داخل المنطقة العازلة وجبل الشيخ والقنيطرة وريف دمشق".
وبحثت الاجتماعات سبل دعم عملية سياسية جامعة بقيادة سورية "لإنجاز عملية انتقالية وفق قرار مجلس الأمن 2254، تلبي طموحات الشعب السوري الشقيق، وتضمن إعادة بناء مؤسسات الدولة، وتحفظ وحدة سوريا وسلامتها الإقليمية وسيادتها وأمنها واستقرارها وحقوق جميع مواطنيها".
كما خلص الاجتماع إلى تأكيد ضرورة تشكيل هيئة حكم انتقالية جامعة بتوافق سوري، والبدء بتنفيذ الخطوات التي حددها القرار للانتقال من المرحلة الانتقالية إلى نظام سياسي جديد يلبي طموحات الشعب السوري بكل مكوناته، عبر انتخابات حرة ونزيهة تشرف عليها الأمم المتحدة.
مخاوف دولية
ويأتي اجتماع العقبة في الوقت الذي يثير فيه الوضع المتسارع في سوريا القلق بين دول الجوار، من أن تؤدي الإطاحة بالأسد إلى إثارة الاضطرابات في بلدانهم، وسط تخوفات من أن يدفع الفراغ السياسي سوريا إلى الفوضى.
وتنعقد الآمال على نتائج تلك الاجتماعات، خاصة التوصل إلى خطط ومسارات تسهم في مساعدة السوريين على حدوث توافقات فيما بينهم لبناء نظام جديد يحقق مصلحة سوريا والسوريين، وتنعكس آثاره الإيجابية على استقرار المنطقة كلها.
ويقول وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إن الاجتماع شدد على ضرورة تشكيل حكومة "جامعة" في سوريا، كاشفاً عن أن المسؤولين الأمريكيين كانوا على اتصال مع "هيئة تحرير الشام" التي قادت الإطاحة بنظام الأسد، والمدرجة على قوائم الإرهاب الأمريكية.
فيما يرى مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسون أن "المهم الآن في سوريا أن نرى عملية سياسية موثوقة وشاملة تجمع كل سوريا وكل المجتمعات في سوريا. والنقطة الثانية أننا بحاجة إلى التأكد من عدم انهيار مؤسسات الدولة والحصول على المساعدات الإنسانية في أسرع وقت ممكن".
ويضيف: "من المهم أيضاً عدم انهيار مؤسسات الدولة وإدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا في أسرع وقت ممكن"، مشيراً إلى أن هيئة تحرير الشام ينبغي أن تقرن الأفعال بـ"الرسائل الإيجابية" التي أرسلتها حتى الآن إلى الشعب السوري، حسب قوله.
اهتمام دولي
يرى الكاتب والباحث السياسي محمود علوش أن الاجتماع "يعكس الاهتمام الدولي والإقليمي بأن يكون هناك حضور في عملية الانتقال السياسي في سوريا".
لكن ومع ذلك يشير إلى "عدم انسجام في السياسة الدولية تجاه عملية التحول الانتقالي من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبعض الدول العربية، التي لا تزال مترددة في اتخاذ موقف واضح تجاه هذا التحول والسلطة الجديدة في سوريا".
في مقابل ذلك التخوف يتحدث علوش لـ"الخليج أونلاين" عن دول "سارعت إلى أن يكون لها حضور دبلوماسي في دمشق، وفتحت قنوات تواصل وتعزيز علاقاتها مع السلطة الجديدة في سوريا، كتركيا وقطر".
ويعتقد أن غياب الانسجام في السياسات الدولية "يضعف من التأثير الدولي في عملية التحول الانتقالي في سوريا"، مشراً إلى أنه خلال هذه الفترة "ستكون هناك فترة اختبار بين المجتمع الدولي وهيئة تحرير الشام".
وينتظر المجتمع الدولي، وفق علوش، "أن تترجم هيئة تحرير الشام تصريحاتها إلى أفعال فيما يتعلق بإدارة عمليات التحول الانتقالي وتحقيق أوسع مشاركة وطنية في هذا التحول وضمان تأسيس نظام سياسي يقوم على الديمقراطية واحترام الأقليات"، فيما ستكون الفترة ذاتها "اختباراً لنوايا المجتمع الدولي في اتجاه رعاية ودعم التحول الانتقالي في سوريا".
كما يرى أن العلاقات الجيدة بين سوريا والمجتمع الدولي في هذه الفترة "مهمة جداً بالنسبة للطرفين وترجع بالفوائد عليهما، وأيضاً هي مصلحة للسوريين من أجل توفير الظروف الملائمة لتسريع عمليات التحول الانتقالي وتقليص المخاطر المحتملة التي تواجه هذا التحول".
شكوك وضغوط
ومع سقوط نظام بشار الأسد، دخلت سوريا مرحلة انتقالية غامضة ومحفوفة بالتحديات، حيث تتنافس القوى الإقليمية والدولية على صياغة مستقبل البلاد.
ولعل حزمة من المؤشرات خيمت على اجتماع العقبة حتى قبل انعقاده وأثارت الشكوك في نواياه وجدية مزاعمه بشأن احترام خيارات السوريين ودعم سوريا الجديدة، على رأسها غياب تمثيل القيادة السورية الجديدة التي أطاحت بنظام الأسد، واستبعادها من الاجتماع بشكل مثير للتساؤل.
وأدى ذلك لخروج أصوات سورية تهاجم الاجتماع ومخرجاته، ومنها ما قاله الصحفي السوري عمر الحريري عبر منصة "إكس": "نحن أمام مشروع خبيث من أجل وضع سوريا تحت وصاية الأمم المتحدة كي يصبح مبعوثها الذي عمل لسنوات لتعويم النظام مندوباً سامياً على قرار السوريين .. الثورة انتصرت بإرادة شعبها، وأبناؤها قادرون وحدهم على قيادتها".
بيان العقبة محاولة خبيثة جدا للالتفاف على انتصار الشعب .. نحن امام مشروع خبيث اوضع سوريا تحت وصاية الامم المتحدة ليصبح مبعوثها الذي عمل لسنوات لتعويم النظام مندوبا ساميا على قرار السوريين .. الثورة انتصرت بارادة شعبها وابناؤها قادرون لوحدهم على قيادتها
فيما يقول الكاتب والباحث السوري ياسر القادري إنسوريا من بعد سقوط الأسد شهدت حراكاً دولياً وإقليمياً متسارعاً خلال الأيام الماضية؛ بهدف الضغط لتشكيل السلطة الجديدة في سوريا.
ويشير إلى ان اجتماع العقبة ومثله زيارة المبعوث الأممي بيدرسون إلى دمشق "يأتي في سياق الضغط لتطبيق القرار 2254 الأممي الذي ينص على تشكيل هيئة حكم انتقالية".
لكن مع ذلك يؤكد لـ"الخليج أونلاين" أن الوقائع الميدانية التي جرت خلال الأيام الماضية من الناحية العملية تجاوزت هذا القرار الذي كان يتحدث عن تشكيل هيئة حكم انتقالية وتحقيق انتقال سياسي للأطراف الفاعلة في ظل وجود نظام الأسد.
وأضاف: "اليوم نظام الأسد لم يعد موجوداً، وهذا الطرف ليس له الحق في أن يدخل في العملية السياسية، والقرار الأممي أصبح من ناحية العملية عسيراً على التطبيق، وعليه فلا بد من إعادة النظر فيه؛ لأن الوقائع الميدانية قد تجاوزته".
وأكمل: "هذه بالمحصلة هي إرادة الشعب السوري التي يجب أن تحترم في كل الأوساط السياسية والأممية في المرحلة القادمة".