رأى خبراء اقتصاديون فرنسيون أن الولايات المتحدة الأمريكية تتخذ من الرسوم الجمركية وسيلة للضغط؛ من أجل فرض شروطها فيما يتعلق بالعلاقات التجارية مع دول الاتحاد الأوروبي وغيرها من دول العالم.
وقال الخبراء، في تصريحات خاصة لوكالة الأنباء القطرية " قنا "، إن الرسوم التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخرا على واردات بلاده من بعض المنتجات وتلك التي هدد بفرضها على دول الاتحاد الأوروبي ودول أخرى، ليست هدفا في حد ذاتها، وإنما هي مجرد وسيلة لدفع المفاوضات التجارية بين الولايات المتحدة وتلك الدول وتنفيذ الشروط الأمريكية، محذرين من أنه حال تم تطبيق تلك الرسوم ستبدأ "الحرب الاقتصادية" في التوسع على المستوى العالمي.
وأضافوا أن فرض تلك الرسوم سيؤدي إلى انخفاض حجم التبادل التجاري بين جميع الدول، فضلا عن انخفاض النمو العالمي، كما سيؤدي كذلك إلى ارتفاع نسبة الفائدة نتيجة زيادة الأسعار، ما يعزز مكانة الدولار في الأسواق العالمية على حساب العملة الأوروبية الموحدة (اليورو) وغيرها من العملات الأخرى، وهو ما يعني أن الأضرار والخسائر الاقتصادية ستطال جميع الدول ولن يسلم منها أحد.
وأكدوا أن السلاح الاقتصادي المباشر الذي يمكن أن تستخدمه الدول الأوروبية في مواجهة الرسوم الجمركية الأمريكية هو الرد بالمثل، وزيادة الضرائب الجمركية على واردات البضائع الأمريكية، فضلا عن إجراءات أخرى غير مباشرة مثل الاستغناء عن استيراد بعض البضائع الأمريكية مثل النفط والإلكترونيات، وتعويضها ببضائع من دول أخرى.
فمن جانبه، قال الدكتور آلان صفا أستاذ الاقتصاد والجغرافيا السياسية في جامعة نيس رئيس الجمعية الاقتصادية الفرنسية سيمافي الدولية: "الرسوم الجمركية الأمريكية ستؤثر بالدرجة الأولى على الشركات الفرنسية والأوروبية التي تصدر إلى الولايات المتحدة، كما ستطال الأضرار الأشخاص الذين يشترون هذه البضائع في السوق المحلية الأمريكية؛ لأنهم سيدفعون ثمنا أكبر لها، وبالتالي المستهلك هو من سيدفع ثمن هذه الرسوم، نتيجة انخفاض كميات البضائع وارتفاع الأسعار".
واعتبر الدكتور آلان صفا، في تصريحات لوكالة الأنباء القطرية "قنا"، أن الرسوم الجمركية الأمريكية هي امتحان لأوروبا لتعرف قدرتها على "الدفاع عن حقوقها" التجارية والاقتصادية؛ إذ لا يمكن لأي دولة أن تأخذ القرار وحدها، وانما يجب على كل الدول الأوروبية اتخاذ قرار موحد للرد على تلك الرسوم، مشيرا إلى أن حجم العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية يتجاوز 1100 مليار دولار.
وأضاف أنه يجب على الدول الأوروبية المعاملة بالمثل، ومثلما تفرض الولايات المتحدة رسوما جمركية كبيرة على البضائع القادمة من أوروبا، تقوم الدول الأوروبية كذلك بفرض رسوم جمركية إضافية على البضائع الأمريكية الواردة إلى أوروبا حتى يكون هناك نوع من التوازن؛ إذ إن مثل تلك الممارسات التجارية تسبب أضرارا اقتصادية على جميع الأطراف.
وقال أستاذ الاقتصاد والجغرافيا السياسية بجامعة نيس إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ليس هدفه أن تكون هناك حرب اقتصادية شاملة مع جميع البلدان، وانما هدفه أن يدفع هذه البلدان لقبول شروطه في العلاقات الاقتصادية، وما يطلبه هو أن تشتري دول أوروبا بضائع أكثر من الولايات المتحدة، ويعمل على استخدام قضية الرسوم الجمركية كوسيلة ضغط على الأوروبيين لدفع المفاوضات التجارية، من أجل شراء الغاز الطبيعي والأسلحة وغيرها من المنتجات الأمريكية بكميات أكبر.
وأكد الدكتور آلان صفا، في ختام تصريحاته لـ"قنا"، أنه إذا بدأت الرسوم الجمركية و"الحرب الاقتصادية" بالتفاعل والتوسع، وأخذت حجما أكبر بين الدول على المستوى العالمي، فإن التبادل التجاري بين الدول سوف ينخفض والنمو الاقتصادي لكل بلد سوف ينخفض هو الآخر، وهذا كله سوف سيؤدي إلى انخفاض الطلب العالمي بشكل عام وانخفاض النمو العالمي، وستشمل الأضرار الاقتصادية كل البلدان.
ويعد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة شريكين تجاريين رئيسيين في التبادل التجاري لقطاعي السلع والخدمات، وتعتبر الولايات المتحدة ثاني أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي، حيث صدر الاتحاد سلعا بقيمة 576.3 مليار دولار إلى الولايات المتحدة في العام 2023، أي ما يقارب 20 بالمئة من إجمالي صادراته، وفقا لبيانات مكتب الإحصاء الأوروبي.
كما يمثل التبادل التجاري بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة حوالي 30 بالمئة من حجم التبادل التجاري العالمي للبضائع، وحوالي 40 بالمئة من التجارة العالمية في الخدمات، ما يعادل نحو نصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتسهم هذه العلاقات الاقتصادية الاستراتيجية في توفير حوالي 15 مليون وظيفة في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقع مؤخرا مرسوما حدد بموجبه بدء تطبيق الرسوم الجمركية بنسبة 25 في المئة على كل واردات بلاده من الصلب والألومنيوم "بدون استثناءات"، كما تعهد بفرض رسوم جمركية متبادلة لتتناسب مع الرسوم التي تفرضها الدول الأخرى على السلع الأمريكية، الأمر الذي يرى مراقبون أنه يعد تصعيدا كبيرا من قبل الرئيس الأمريكي في "حربه التجارية".
بدوره، قال الدكتور حسن عبيد رئيس مركز الأبحاث والتنمية الاقتصادية في باريس أستاذ العلوم المالية والمصرفية في جامعة مدرسة باريس للأعمال: "المبادلات التجارية بين الولايات المتحدة وأوروبا لصالح أوروبا، وبالتالي في حال زيادة الرسوم الجمركية سوف تكون السوق الأوروبية هي المتضرر الأكبر، وسيكون هناك العديد من القطاعات المتضررة، أهمها قطاع صناعة السيارات وبعض الصناعات الفاخرة التي تصدرها فرنسا وأوروبا إلى الولايات المتحدة".
وأضاف عبيد، في تصريحات خاصة لوكالة الأنباء القطرية " قنا"، أن السلاح الاقتصادي المباشر الذي يمكن أن تستخدمه أوروبا في مواجهة الرسوم الجمركية الأمريكية هو الرد بالمثل ورفع الضرائب الجمركية على واردات البضائع الأمريكية، كما هناك إجراءات اقتصادية أخرى غير مباشرة مثل الاستغناء عن استيراد بعض البضائع الأمريكية كالنفط والإلكترونيات، وتعويضها ببضائع من دول أخرى مثل الصين والهند.
ولفت إلى أن الرسوم الجمركية الأمريكية في حال تطبيقها على الدول الأوروبية سوف تؤدي إلى ارتفاع الكلفة الشرائية والتضخم وستلحق الأضرار بالطرفين، معتبرا أن تهديد الرئيس الأمريكي بفرض الرسوم الجمركية على أوروبا، هو وضع نوع من الشروط كوسيلة وأداة للتفاوض مع أوروبا ليس أكثر، وهذا ما يظهر جليا في الرسوم الجمركية التي أعلنها على كندا، والتي على إثرها استجابت كندا لشروط الرئيس الأمريكي، وقام هو بدوره بتجميد الرسوم.
وأكد أن الشروط الأمريكية بالنسبة لأوروبا تتمثل في أن تستورد أكثر من الولايات المتحدة كما وكيفا، والاستغناء شيئا فشيئا عن السوق الصينية، وكذلك زيادة الاستيراد من منتجات الطاقة الأمريكية والاستغناء عن مصادر الطاقة الروسية، وبالتالي فإن تهديدات الرئيس الأمريكي بفرض رسوم على أوروبا لا تستهدف أوروبا بحد ذاتها بقدر استهدافها الصين وروسيا بطريقة غير مباشرة.
وخلص رئيس مركز الأبحاث والتنمية الاقتصادية بباريس، في ختام تصريحاته لـ"قنا"، إلى أن التأثيرات السلبية المباشرة قصيرة الأمد للرسوم الجمركية تكمن في زيادة التضخم والكلفة وانخفاض القدرة الشرائية للمستهلكين، فيما ستكون لها تأثيرات إيجابية على المدى الطويل؛ إذ قد تؤدي هذه الرسوم الأمريكية إلى اعتماد العديد من الدول والتكتلات على أنفسها وتحقيق الاكتفاء الذاتي.
من جانبه، قال الدكتور كميل الساري المحلل والخبير الاقتصادي: "إن غايات الرئيس الأمريكي من فرض الرسوم الجمركية اقتصادية بحتة، فهو يريد أن يضغط على الدول التي لديها فائض تجاري مع الولايات المتحدة، التي يرتفع عجزها التجاري مع الصين إلى 500 مليار دولار، ومع الاتحاد الأوروبي إلى 300 مليار دولار، وبأكثر من 100 مليار دولار مع المكسيك وكندا.
وأضاف الساري، في تصريحات خاصة لوكالة الأنباء القطرية "قنا"، أن الرئيس الأمريكي ينطلق في إجراءاته الجمركية من مبدأ أن الولايات المتحدة ضحية لتدفق السلع والبضائع العالمية، لكنها لا تستفيد من هذه السوق التجارية العالمية، وأن المواطن الأمريكي يسدد ضريبة هذا العجز التجاري، مشيرا إلى أن الرئيس دونالد ترامب سيحاول فرض الرسوم الجمركية على كل الدول الكبرى والتكتلات الاقتصادية العالمية المهمة على غرار الاتحاد الأوروبي، وذلك حتى يضغط عليها بقوة ويجبرها على القبول بشروطه في المفاوضات، وهو ما يؤكده قراره تأجيل الرسوم الجمركية لمدة شهر بالنسبة لكندا والمكسيك.
وأشار إلى وجود امتعاض كبير في دول الاتحاد الأوروبي تجاه سياسات الرئيس الأمريكي الاقتصادية، حيث يهدد الأوروبيون بأنهم سيردون بقوة على الرسوم الجمركية الأمريكية حال تم تطبيقها، كما أنهم قد يفرضون ضرائب كبيرة على شركات التكنولوجيا العملاقة الأمريكية ويحدوا من أنشطتها في أوروبا.
وأكد أن الرسوم الجمركية الأمريكية ستؤدي إلى ارتفاع نسبة الفائدة نتيجة زيادة الأسعار، ما سيعزز مكانة الدولار في الأسواق العالمية ويجعله يتفوق على بقية العملات، خاصة أن البنك المركزي الأوروبي بصدد تخفيض نسبة الفائدة، وهو ما سيدفع في النهاية إلى انخفاض اليورو مقابل ارتفاع الدولار.
وخلص الدكتور كميل الساري المحلل والخبير الاقتصادي، في ختام تصريحاته لـ" قنا"، إلى أن إصرار الرئيس الأمريكي على تطبيق الرسوم الجمركية سينجم عنه انخفاض حجم التجارة العالمية وسوق المبادلات الدولية، وهو ما سيخلق أزمة تزويد من المواد الأولية والأساسية للشركات الصناعية العالمية، لا سيما أن الولايات المتحدة نفسها لديها شركات في أوروبا والصين وكندا والكثير من الدول تزود السوق الأمريكية بالعديد من المكونات الإلكترونية والصناعية، التي تدخل في صناعة المواد الأساسية التي يستهلكها المواطن الأمريكي.