يوسف حمود - الخليج أونلاين
بعد ساعات من سقوط الأسد، دعت دول خليجية إلى الحفاظ على المؤسسات الوطنية ووحدة سوريا وسيادتها.
قبل أيام عقد مجلس التعاون الخليجي دورته الخامسة والأربعين في الكويت، وكان لافتاً أن بيانه الختامي الذي أُطلق عليه اسم "إعلان الكويت"، لم يتطرق إلى التطورات الأخيرة في سوريا، فيما يتعلق بسيطرة فصائل من المعارضة السورية المسلحة على بعض المدن وفي مقدمتها حلب.
لكنه أكد على وحدة الأراضي السورية ودعم جهود الأمم المتحدة للتوصل إلى حل سياسي، ودعم الجهود المبذولة لرعاية اللاجئين والنازحين السوريين، إضافة إلى إدانة المجلس لما وصفه بـ"الهجمات الاسرائيلية المتكررة على سوريا".
والآن ومع سقوط نظام بشار الأسد (8 ديسمبر 2024)، تتجه الأعين بشكلٍ كبيرٍ إلى دول الخليج، التي لطالما دخلت في أزمات سابقة مع نظام الأسد، وصولاً أخيراً قبل رحيله إلى محاولة التطبيع معه واحتوائه، ليأتي السؤال ما هي سيناريوهات الدور الخليجي المرتقب في سوريا؟
مواقف خليجية
شهدت الأسابيع الأخيرة من شهر نوفمبر ومطلع ديسمبر 2024 تطورات متسارعة على صعيد احتدام القتال بين الحكومة السورية وفصائل المعارضة المسلّحة التي سيطرت على معظم مناطق سوريا وإسقاط حكومة الأسد بعد أكثر من 4 عقود من الحكم.
وبعد ساعات من سقوط الأسد، دعت وزارة الخارجية القطرية إلى ضرورة الحفاظ على المؤسسات الوطنية ووحدة سوريا، من دون انزلاقها للفوضى، بحسب قولها.
وجددت قطر موقفها الداعي لإنهاء الأزمة السورية، بحسب قرارات الشرعية الدولية وقرار مجلس الأمن 2254، بما يحقق مصالح الشعب السوري، داعية كافة الأطياف إلى انتهاج الحوار فيما بينها، بما يحقن دماء أبناء الشعب الواحد ويحفظ للدولة السورية مؤسساتها الوطنية.
وفي موقف مشابه، دعت السعودية، في بيان أصدرته خارجيتها، إلى "تضافر الجهود للحفاظ على وحدة سوريا وتلاحم شعبها، بما يحميها من الانزلاق نحو الفوضى والانقسام"، مؤكدة دعمها لـ"كل ما من شأنه تحقيق أمن سوريا الشقيقة واستقرارها بما يصون سيادتها واستقلالها ووحدة أراضيها".
وأعربت "عن ارتياحها للخطوات الإيجابية التي تم اتخاذها لتأمين سلامة الشعب السوري الشقيق وحقن الدماء والحفاظ على مؤسسات الدولة السورية ومقدراتها".
في حين قالت خارجية عُمان إنها تتابع "عن كثب التطورات في الجمهورية العربية السورية، وتؤكد على ضرورة احترام إرادة الشعب السوري الشقيق والحفاظ على سيادة سوريا وسلامة أراضيها ووحدتها بشكل كامل".
ودعت في بيانها جميع الأطراف إلى "ضبط النفس وتجنب التصعيد والعنف، والتوجه إلى تحقيق المصالحة الوطنية، بما يحقق للشعب السوري الشقيق تطلعاته في الأمن والاستقرار والتنمية والرخاء".
وأعلنت الخارجية البحرينية، في بيان، دعمها أمن سوريا وشعبها، داعيةً الأطراف والمكونات السورية إلى تغليب المصلحة العليا والحفاظ على المؤسسات العامة للدولة وسلامة منشآتها الحيوية والاقتصادية.
فيمادعت الكويت، في بيان لوزارة خارجيتها، إلى الحفاظ على وحدة أراضي سوريا وضمان حماية شعبها وحقن دماء أبنائه.
أما الإمارات فقالت، على لسان المستشار الدبلوماسي للرئيس الإماراتي أنور قرقاش: "إنه لا ينبغي السماح للجهات غير الحكومية باستغلال الفراغ السياسي"، مضيفاً: "الأحداث المتكشفة في سوريا هي أيضاً مؤشر واضح على الفشل السياسي والطبيعة المدمرة للصراعات والفوضى".
دعم خليجي
ومع دخول سوريا منعطفاً تاريخياً جديداً، يقول الأكاديمي والباحث المتخصص في الدراسات السوريةد.عبد الرحمن الحاج، إن السوريين يتوقعون من دول الخليج، وبشكل خاص قطر والكويت، ويحتمل أن تضاف إليهما السعودية والإمارات، أن تقف مع الشعب السوري في المرحلة القادمة.
ويضيف، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن التوقعات الحالية "أن تسهم هذه الدول بفاعلية في إعادة الإعمار، وبمساندة السوريين في التعافي من آثار الحرب وبناء مؤسسات الدولة".
ويشير إلى أن ثلث المدن السورية "مدمرة تماماً، ولن يستطيع السوريون مواجهة هذه التحديات بسرعة بدون مساعدة من أشقائهم".
ويرى أنه "إذا لم تتقدم دول الخليج للمساعدة فستترك فراغاً سيقوم الآخرون بملئه"، مؤكداً أن ذلك "ليس في مصلحة العرب أن يتركوا شقيقتهم وحدها مرة أخرى".
ويلفت في سياق حديثه إلى أن سوريا بالنسبة للعرب وخصوصاً دول الخليج "مهمة جداً وأي تغيير فيها يصيب الجميع"، مستبعداً عدم مد دول الخليج أيديها للسوريين، وخصوصاً فيما يتعلق بـ"إعادة الإعمار".
ترقب وانتظار
من جانبه، يقول المحلل والأكاديمي الكويتي د.عايد المناع، إن "دول الخليج ما يهمها الآن هو أن تستقر سوريا، وأن يتعايش شعبها معاً وألا يدخلوا في صراعات داخلية"، مؤكداً أن المسؤولية الكبرى حالياً ستكون على تركيا لـ"ضبط إيقاع الوضع".
وتابع المناع في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "الوضع في سوريا يحتاج إلى وقت لعل وعسى أن يتم التفكير بعقل مفتوح بإيجاد نظام من اختيار الشعب السوري والأغلبية من تختار وتنتخب البديل وأن تبقى علاقات دول الخليج مستمرة بصرف النظر عمن يحكم سوريا".
سياسات فردية
فيما يقول عبد العزيز العنجري، المؤسس والرئيس التنفيذي لمركز "ريكونسنس" للبحوث والدراسات الكويتي إنه "لم يعد هناك إجماع خليجي حول معظم ملفات القضايا الإقليمية، ولكل دولة رؤيتها وأهدافها المختلفة التي قد تتعارض أحياناً مع بقية الدول".
ويرى أن سياسات دول الخليج تجاه سوريا بـ"الغالب فردية، تعتمد على شكل السلطة الجديدة وتوجهاتها وتحالفاتها الدولية في المنطقة".
ويشرح الباحث العنجري وجهة نظره قائلاً:
- بشكل عام، يشير الخطاب السياسي الحالي للقيادي الرئيسي في المشهد أحمد الشرع، إلى انفتاح محتمل على دول المنطقة، خصوصاً مع عدائه لإيران التي تتوجس منها غالبية هذه الدول.
- هناك رهان إسرائيلي أمريكي بأن سوريا الجديدة ستعيد ترتيب أولوياتها بعيداً عن المناصرة التقليدية لقضايا مثل فلسطين أو الانخراط في التوجهات الإقليمية الكبرى، وهو ما تريده "إسرائيل"، التي تسعى منذ فترة إلى إضعاف الجبهة الداخلية السورية وتحويل الأنظار عن دعم المقاومة الفلسطينية.
- في حال صدقت تحليلات بعض المختصين في واشنطن فإن التوجه القادم لأي قيادة سورية سيكون منفتحاً على "إسرائيل"، سواء تحت عنوان السلام في المنطقة أو غيره من المبررات.
- في ظل هذه التطورات، تبدو الإمارات المرشح الأبرز لتحقيق مكاسب استراتيجية من الوضع السوري الراهن.
- هناك دول خليجية بدت أنها كانت تمتلك معلومات عن السيناريوهات المحتملة في سوريا، وهوما سمح لها بالتحضير المسبق والاستفادة من التغيرات. في المقابل، دول أخرى بدت وكأنها تفاجأت بتطورات الأحداث، خاصة مع مساعيها السابقة لإعادة بشار الأسد إلى الحاضنة العربية.
- قطر، التي كانت من أوائل الداعمين للمعارضة السورية، قد تجد فرصة لتوسيع نفوذها في سوريا ما بعد الأسد، وستكون لاعباً مهماً في توجيه التحولات السياسية في سوريا من خلال شبكة علاقاتها القوية مع أطراف المعارضة.
- دول الخليج، خاصة الإمارات وقطر، قد تكون المستفيد الأكبر من هذا التغير، فيما يظهر أن دولاً أخرى، كانت تراهن على النظام السوري، تواجه تراجعاً في قدرتها على التأثير في المشهد العربي.
- هذا السياق يعكس اتساع الفجوة في استراتيجيات دول الخليج تجاه الأزمات العربية، ويعزز من أهمية المعلومات الاستخباراتية الدقيقة في صياغة القرارات المصيرية.