د. حسن رشيد: نحتاج إلى تحديث الأساليب في عصر الثورة الرقمية
د. حنان قصاب: المحبون يرونه تجربة فريدة لا تنافسها وسائط أخرى
فهد الباكر: «أبو الفنون» قادر على احتواء التكنولوجيا وتوظيفها لخدمته
لا يزال المسرح مرآة تعكس نبض المجتمعات وقضاياها. على مر العصور، تأقلم المسرح مع متغيرات الزمن، متأثرًا بكل ما جلبته الحضارات من تقنيات وأدوات. في العصر الحديث، ومع ظهور وسائل الإعلام الرقمية وانتشار التكنولوجيا المتقدمة، وجد المسرح نفسه في مواجهة تحديات وفرص جديدة.
وسائل الإعلام الحديثة، من منصات التواصل الاجتماعي إلى الإنتاجات الرقمية، أتاحت للمسرح الوصول إلى جماهير أوسع، حتى خارج قاعات العرض التقليدية. كما أدخلت التكنولوجيا تغييرات جذرية على لغة المسرح، سواء عبر المؤثرات البصرية والسمعية، أو تقنيات الإضاءة والديكور الرقمي، مما أضاف أبعادًا جديدة للتجربة المسرحية.
«العرب « من جانبها وبمناسبة اليوم العربي للمسرح الذي يوافق العاشر من يناير كل عام، تناقش القضية مع الخبراء والمسرحين من خلال التساؤل... هل هذا التطور يخدم جوهر المسرح وروحه التقليدية أم أنه يُهدد هويته الأصلية؟
في البداية أكد الناقد المسرحي الدكتور حسن رشيد في تصريح خاص لـ « العرب « أن المسرح هو فن الحضور المباشر، الذي يجمع بين الممثل والمتلقي في لحظة إنسانية خالصة، حيث تتشابك المشاعر والانفعالات في تجربة حية لا يمكن لأي وسيط رقمي أن يعوضها، مشيرا إلى أن الفرق بين المسرح وأشكال الفنون الأخرى، كالمسلسلات والأفلام، يكمن في أن المسرح يفرض على المتلقي أن يكون حاضرًا بكل حواسه، متفاعلًا مع ما يدور على خشبة المسرح في الزمن الحقيقي وهذه العلاقة الفريدة هي جوهر المسرح وروحه التي تميزه.
وقال إن المسرح بالطبع يحتاج إلى تحديث أساليبه فنحن نعيش في عصر الثورة الرقمية، حيث أصبحت التكنولوجيا جزءًا من تفاصيل حياتنا اليومية، ومن الطبيعي أن تُدمج هذه الوسائل في المشهدية المسرحية. عندما نشاهد عروضًا مسرحية في الغرب أو اليابان، ندرك كيف يمكن للإضاءة الحديثة، والتقنيات الصوتية المتطورة، والديكورات التفاعلية أن تضيف أبعادًا جديدة إلى التجربة المسرحية.
وأضاف أننا في الوطن العربي لم نصل بعد إلى هذا المستوى من التوظيف التكنولوجي في المسرح، إلا أن الوقت قد حان لنتخذ خطوات جادة في هذا الاتجاه، بحيث تصبح الوسائل الحديثة أداة تخدم النص والرؤية الإخراجية، وتخلق عوالم مدهشة يعيشها المتلقي، مشددا في الوقت ذاته على أن التحديث غير كاف لأن الجوهر الحقيقي للمسرح يكمن في القضايا التي يطرحها. يجب أن تكون الأعمال المسرحية انعكاسًا لواقع الإنسان المعاصر، معبّرة عن همومه وآماله وأسئلته الوجودية.
وحذر رشيد من تقديم أعمال لا تتماشى مع قيمنا وهويتنا الثقافية لأن المسرح منبر لطرح القضايا الجوهرية التي تُثري الفكر وتحترم الهوية.
وتابع رغم كل التحديات، سيبقى المسرح حيًا ما دامت هناك علاقة مباشرة بين المرسل والمتلقي. هذه العلاقة لا يمكن استبدالها بأي شكل آخر، لأن المسرح هو المكان الذي يلتقي فيه الفن بالحياة.
نقاش متواصل
من جهتها قالت الناقدة والأكاديمية الدكتورة حنان قصاب، مع ظهور كل وسيلة جديدة من وسائل الإعلام أو التواصل، يتجدد النقاش حول تأثيرها على جمهور المسرح. هذه الظاهرة ليست جديدة، فقد شهدناها مع ظهور التلفزيون، ثم التلفزيون الملون، وصولًا إلى وسائل التواصل الاجتماعي. لكن الحقيقة التي تثبتها التجربة دائمًا هي أن جمهور المسرح الحقيقي لا يتأثر بتلك الوسائل. من يحب المسرح يرى فيه تجربة فريدة لا يمكن أن تنافسها وسائط أخرى، لما يقدمه من تفاعل حي بين الممثلين والجمهور.
وأوضحت أن المسرح يمتلك خصوصية لا مثيل لها، حيث يشعر المشاهد بحرارة الحضور، ويعيش لحظات مشتركة مع الجمهور، تتجلى في التصفيق الجماعي أو الصمت العميق. المسرح الجيد دائمًا قادر على جذب جمهوره، دون أن يخشى المنافسة من أي وسائط أخرى، ورغم ذلك، يمكن للمسرح أن يستفيد من التكنولوجيا الحديثة دون المساس بجوهره التقليدي. تقنيات مثل فن الفيديو، والتسجيلات الصوتية، والمؤثرات السمعية والبصرية، تقدم فرصًا لإثراء العرض المسرحي، بشرط أن تكون هذه الأدوات موظفة بشكل يخدم النص الدرامي، لا لمجرد الإبهار.
وقالت في ظل تغير أنماط استهلاك المحتوى لدى الأجيال الشابة، يمكن للمسرح أن يواكب هذه التحولات من خلال تقديم عروض قصيرة تتماشى مع طبيعة الجمهور المعاصر، الذي اعتاد على المحتوى السريع. منذ بداية الألفية الجديدة، ظهرت المسرحيات الشبابية التي تتخذ شكل المشاهد المتلاحقة أو السكتشات القصيرة. كما تشير الدراسات إلى أن أدمغة المتلقين أصبحت مبرمجة على استيعاب محتوى لا يتجاوز بضع دقائق. هنا، يمكن للمسرح أن يستغل هذا التغير، ويقدم عروضًا مبتكرة تلبي تلك الاحتياجات دون التفريط في قيمته الفنية.
وأكدت الناقدة حنان قصاب أنه بالنسبة للمسرح غير التقليدي، مثل المسرح التفاعلي، فهو ليس بديلًا للمسرح التقليدي، بل يمثل تجربة مختلفة تهدف إلى إثارة وعي الجمهور حول قضايا معينة.
المسرح والتفاعل العميق
قال المخرج فهد الباكر إن وسائل الإعلام الرقمية أثرت بشكل واضح على طبيعة العلاقة بين الجمهور والمسرح وأصبحت الغالبية العظمى من الناس تأتي إلى المسرح بهدف الترفيه فقط، بعيدًا عن التفاعل العميق مع العرض المسرحي أو البحث عن فكر ومحتوى يحمل رسالة. لهذا السبب، نجد أن العديد من العروض المقدمة في منطقتنا العربية تركز بشكل كبير على الكوميديا، لأن القائمين على هذه العروض يدركون أن الجمهور يبحث عن المتعة اللحظية، في حين أن قلة فقط تهتم بالمحتوى الثقافي أو الفكري.
وأضاف انه ومع انتشار المنصات الرقمية التي تُوفر محتوى متنوعًا بضغطة زر، أصبح بإمكان المتلقي الحصول على ما يريد بسهولة، دون الحاجة لبذل جهد الذهاب إلى المسرح، وهذا بالفعل أدى إلى تراجع الإقبال على المسرح التقليدي.
وشدد الباكر أنه على الرغم من كل هذه التحديات فإنه مع ذلك، يبقى المسرح، أبو الفنون، قادرًا على احتواء التكنولوجيا وتوظيفها لخدمته. يمكن للمسرح أن يُدخل تقنيات مثل التصوير السينمائي، الهولوجرام، والمؤثرات السمعية والبصرية ضمن عناصره، مما يعزز من تجربة المشاهد. لكن، يجب استخدام هذه التقنيات بحذر ودون مبالغة، حتى لا يتحول العرض المسرحي إلى مشهد سينمائي بحت، يفقد معه المسرح جوهره التقليدي.
جدير بالذكر أنه تم اعتماد العاشر من يناير يوماً عربياً للمسرح خلال انعقاد الدورة الثانية والعشرين لمؤتمر الوزراء المسؤولين عن الشؤون الثقافية في الوطن العربي بدبي 19-20 ديسمبر 2021 يحتفى به في كل الدول العربية. ويكون مناسبة لتقييم الجهود التي تبذلها الدول العربية لتطوير الفن المسرحي والتذكير بالقضايا الإبداعية التي تشغل الفنانين المسرحيين العرب.