تحتفل دول العالم خلال الأسبوع الثاني من شهر فبراير باليوم العالمي للإنترنت الآمن، وهي مناسبة يسعى من خلالها المجتمع التكنولوجي الدولي لتوحيد الجهود والعمل نحو بيئة رقمية آمنة، وتشجيع الحوار والتعاون بين الأفراد، والمنظمات، والحكومات من أجل تقليل المخاطر الرقمية ومواجهة التهديدات في الفضاء السيبراني.
وبدأ الاحتفال باليوم العالمي للإنترنت الآمن في العام 2004 في نطاق الاتحاد الأوروبي، لكن مع تعاظم المخاطر والتهديدات الرقمية العابرة للحدود تعدى الاحتفال بهذا اليوم النطاق الأوروبي ليصبح مناسبة بالغة الأهمية في مجال السلامة على الإنترنت على المستوى العالمي.
وينظر إلى الاحتيال الإلكتروني بوصفه أحد أكبر التهديدات الرقمية التي تواجه الأفراد والمؤسسات والشركات والقطاع المالي العالمي برمته، وتحاول دول العالم والمنظمات الدولية المعنية اتخاذ تدابير مختلفة للحد من هذا الخطر العابر للحدود، وحوكمة الفضاء الرقمي الذي أصبح بيئة خصبة للجريمة التي تتطور بتطور تكنولوجيا المعلوماتية.
ويتخذ الاحتيال الإلكتروني أشكالا متعددة منها سرقة البيانات الشخصية، والتصيد الاحتيالي، والبرامج الخبيثة والهجمات الإلكترونية على الأنظمة المالية، ومع تزايد استخدام الإنترنت والتقنيات الحديثة، والاعتماد المتزايد على الأنظمة المالية الرقمية أصبحت جرائم الاحتيال ظاهرة مقلقة خاصة مع زيادة حجم الخسائر المالية الناجمة عنها.
ويشير تقرير نشرته جامعة بورتسموث البريطانية، في أكتوبر من العام 2024، بأن حجم الخسائر المالية الناجمة عن عمليات الاحتيال الإلكتروني في العالم بلغت أكثر من 5 تريليونات دولار.. فيما يتوقع أن تصل خسائر هذا النوع من الجرائم إلى 10.5 تريليون دولار هذا العام بحسب تقرير لشركة /سايبر سيكيورتي فينشرز/.
جدير بالذكر أن الاتصالات والرسائل الاحتيالية عبر الهاتف والبريد الإلكتروني أصبحت ممارسة شبه يومية، وتتبع الجهات الاحتيالية تكتيكات مختلفة للإيقاع بالضحايا منها الاتصالات حيث ينتحل الجناة هوية عناصر من جهات إنفاذ القانون أو موظفي مصارف لاستدراج الضحايا نحو كشف بيانات بطاقاتهم الائتمانية وحساباتهم المصرفية أو تحويل مبالغ مالية، وتصل تكتيكات المحتالين، وعبر برامج متطورة، إلى حد انتحال أرقام هواتف أشخاص وجهات موجودة على أرض الواقع عبر برامج متطورة قد لا يفرق الشخص المستهدف بين الحقيقة والاحتيال.
ولمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة، لا تكف وزارة الداخلية وكذلك البنوك وشركات الاتصالات بالدولة عن التوعية والتحذير من مخاطر الرسائل والاتصالات الاحتيالية والتأكيد المستمر على أنها لا تطلب من عملائها بيانات، أو معلومات، أو كلمات مرور، أو أرقامهم الشخصية، عبر الاتصالات أو الرسائل النصية أو الروابط، كما تنبه إلى عدم التعاطي أو الاستجابة لأي اتصالات تعد بجوائز مالية وفرص استثمارية.
ولا تتوقف الجهود على المستوى الوطني عند التوعية فقط فقد اتخذت الدولة الكثير من الآليات القانونية والمؤسساتية لمواجهة تحدي الاحتيال الإلكتروني والسيبراني بشكل عام، فعلى الصعيد التشريعي صدر قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية الصادر بالقانون رقم 14 لسنة 2014، وكذلك القانون رقم (13) لسنة 2016 بشأن حماية البيانات الشخصية.
وعلى الصعيد المؤسسي، أنشأت دولة قطر الوكالة الوطنية للأمن السيبراني في العام 2021 "لتوحيد رؤى وجهود تأمين الفضاء السيبراني للدولة والمحافظة على الأمن الوطني السيبراني"، ومؤخرا، أطلقت الوكالة الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني 2024 - 2030، لتنسيق الجهود الوطنية لمواجهة تحديات الفضاء السيبراني.
كما تهتم الدولة بتأهيل وتدريب الكوادر الوطنية في هذا المجال من خلال الأكاديميات ومؤسسات التعليم العالي داخل الدولة والتي تبنت برامج ومراكز بحثية وتقنية لمواجهة تحديات الأمن السيبراني وتوظيف التكنولوجيا في خدمة المجتمعات، وعززت الكثير من الآليات لمواجهة المخاطر الرقمية.
وأكد النقيب عبد الرحمن عبد الله البوعينين من إدارة مكافحة الجرائم الاقتصادية والإلكترونية بوزارة الداخلية لوكالة الأنباء القطرية /قنا/ أن جرائم الاحتيال الإلكتروني في قطر من الجرائم المستحدثة التي تواجه بحزم وتنصب جهود الإدارة في مكافحة هذه النوعية من الجرائم بشتى الطرق القانونية.
ونوه بالجهود المنسقة بين مختلف الجهات المعنية بالدولة لمكافحة هذا النوع من الجرائم، ومنها وزارة الداخلية التي تلعب دورا محوريا في هذا الميدان لتوفير وسائل الحماية للأفراد والمؤسسات من المخاطر الإلكترونية.
ويوضح البوعينين أن وزارة الداخلية ومن خلال إدارة مكافحة الجرائم الاقتصادية والإلكترونية تضطلع بدورين مهمين فيما يخص جرائم الاحتيال الإلكتروني أحدهما التصدي لتلك الجرائم قبل وقوعها وذلك عن طريق التوعية والتدريب وورش العمل، والثاني بعد وقوع الجرائم وذلك بعمليات التحقيق والبحث والتحري للوصول إلى مرتكبي تلك الجرائم والذين غالبا ما يكونون من خارج البلاد، إلى جانب دارسة وتحليل الأنماط الإجرامية المتبعة لمعرفة الأساليب الإجرامية المستحدثة للتصدي لها قبل انتشارها بصورة واسعة.
وأشار إلى أن القانون رقم 14 لسنة 2014 المعني بمكافحة الجرائم الإلكترونية يأخذ بعين الاعتبار تطور الجريمة الالكترونية، حيث تم إدراج نصوص قانونية تعالج ما يستجد من تطور على هذا النوع من الجرائم.
ونبه إلى أن من أبرز أنواع قضايا الاحتيال الإلكتروني هو الاحتيال الاستثماري والذي يقوم على خداع الأفراد والشركات بهدف الحصول على أموالهم بطريقة غير قانونية باستخدام وسائل الاحتيال في سياق استثماري.
ويضيف النقيب عبد الرحمن البوعينين: "يتم تنفيذ غالبية هذه الجرائم عبر وعود كاذبة بعوائد استثمارية مرتفعة أو من خلال تقديم معلومات مغلوطة وغير صحيحة عن الفرص الاستثمارية".
بدوره، أشار الدكتور عبداللطيف شقفة رئيس قسم الأمن السيبراني بجامعة الدوحة للعلوم والتكنولوجيا في تصريح مماثل لـ/قنا/ إلى التطور المتسارع والخطير للاحتيال الإلكتروني والهجمات الإلكترونية خلال العقدين الأخيرين، وتنوع أشكالها وتوظيفها للتقنيات المتقدمة لاصطياد الضحايا أفرادا وشركات ومؤسسات.
ويوضح الدكتور شقفة أن الاحتيال الإلكتروني بدأ مع نهاية عقد التسعينيات وبداية الألفية الجديدة مستخدما أساليب بسيطة نسبيا مثل التصيد الاحتيالي عبر البريد الإلكتروني من خلال الرسائل المزيفة، لينتقل إلى أطوار جديدة في السنوات الأخيرة أبرزها الهجمات عبر شبكات وسائل التواصل الاجتماعي، إلى جانب بروز الهجمات الاحتيالية على الشركات الكبرى، وكذلك البرمجيات الخبيثة التي تستطيع الوصول إلى بيانات الضحايا وجمع معلوماتهم الحساسة.
وتحدث الدكتور شقفة عن الذكاء الاصطناعي الذي فتح مجالا جديدا لجرائم الاحتيال الإلكتروني لتصبح أكثر تعقيدا وخطورة، "فبينما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يسهم في تحسين الأنظمة الأمنية، فإنه أيضا يستخدم من قبل المهاجمين لتطوير تقنيات احتيال جديدة أكثر فعالية".
ويشرح الدكتور شقفة كيف يوظف المحتالون الذكاء الاصطناعي في الاحتيال الإلكتروني، عبر إنشاء مقاطع نصية وصوتية ومرئية مزيفة بعد أن يجمع معلومات خاصة عن الضحايا "الهندسة الاجتماعية"، وفي دقائق معدودة ينتج الذكاء الاصطناعي هذه المقاطع والرسائل التي تبدو حقيقية إلى حد بعيد".
كما يشير إلى شكل آخر للاحتيال، يتمثل في قيام الجناة بتغيير عناوين بعض المواقع الإلكترونية على شبكة المعلومات الدولية بشكل يصعب على الإنسان العادي اكتشاف الاختلاف بين الموقع الحقيقي والمزيف وهو ما يؤدي إلى وقوع متصفح الموقع ضحية للاحتيال وخاصة في المواقع الخدمية ومواقع البنوك التي يرغب الزائر القيام بأي إجراء مالي من خلالها".
وهنا، يدعو الدكتور عبداللطيف شقفة إلى التدقيق في الموقع الإلكتروني قبل اتخاذ أي إجراء أو طلب خدمة، وعدم فتح أي رابط عشوائي يشير إلى موقع ما، وقال "من الأفضل أن يكتب الشخص موقع الجهة التي يرغب في تصفحه وطلب خدمة منها أو يحفظ الموقع الحقيقي في جهازه ولا يعتمد على الروابط العشوائية".
من جانب آخر، يشير الدكتور عبداللطيف شقفة رئيس قسم الأمن السيبراني بجامعة الدوحة للعلوم والتكنولوجيا إلى أن الذكاء الاصطناعي يوظف حاليا لمواجهة الاحتيال وكشف الرسائل والبرامج الخبيثة التي صممت عن طريق الذكاء الاصطناعي.. مبينا أنه أصبح خط الدفاع الأول لتعزيز الأمن السيبراني ومواجهة المحتالين، بل والكشف عن طبيعة الجرائم الاحتيالية التي تتعرض لها المؤسسات والشركات.
من جانبه، ينبه المهندس أحمد التميمي خبير برمجيات في تصريح مماثل لـ/قنا/، إلى المخاطر المتصاعدة للاحتيال الإلكتروني، مشيرا إلى أن تقنيات الذكاء الاصطناعي زادت من خطورة الاحتيالات الرقمية في ضوء ما توفره هذه التقنيات من أساليب خداع وتزوير تبدو أقرب للواقع.
ويوضح قائلا: "يمكن للمحتالين استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين أساليبهم، مثل توليد الرسائل والنصوص والفيديوهات والصور والتي تبدو أكثر مصداقية يصعب معها التفريق بين الحقيقي والمزيف، إلى جانب انتحال أرقام هواتف مطابقة للأرقام الحقيقية للأشخاص والجهات".
ويضيف المهندس التميمي: "يمكن للمحتالين تدريب نموذج ذكاء اصطناعي على مجموعة من التسجيلات الصوتية الخاصة بشخص معين لتوليد صوت مشابه له تماما، واستخدامه في عمليات الاحتيال، وهذه التقنيات الاحتيالية يمكن تطبيقها على الصور والفيديوهات".
أما عن سبل المواجهة، فإن الوعي يلعب دورا محوريا في مواجهة الاحتيال الإلكتروني، ويعد من أهم وسائل الوقاية والحماية ضد تهديدات الإنترنت، فالمحتالون يستخدمون أساليب متطورة لسرقة المعلومات الشخصية والمالية، مما يجعل الوعي من قبل الأفراد والشركات أمرا بالغ الأهمية، هذا فضلا عن التعاون الإقليمي لمواجهة هذه الظاهرة العابرة للحدود.
ويؤكد النقيب عبد الرحمن عبد الله البوعينين من إدارة مكافحة الجرائم الاقتصادية والإلكترونية بوزارة الداخلية على أن الوعي بمخاطر وأساليب الاحتيال الرقمي هو خط الدفاع الأول وخطوة أساسية للحماية من الوقوع ضحية للهجمات الرقمية، إلى جانب الالتزم بالنصائح والإرشادات التي تنصح بها وزارة الداخلية.
ونصح الأشخاص الذين يقعون ضحية للاحتيال الإلكتروني بسرعة الاتصال الفوري بالخط الساخن للبنك لإغلاق الحساب المصرفي وإيقاف أي عمليات تتم عبره، مع سرعة تقديم بلاغ لإدارة مكافحة الجرائم الاقتصادية والالكترونية عبر الحضور إلى مقر الإدارة أو عبر تطبيق مطراش وإحضار أو إرفاق المستندات اللازمة مثل كشف الحساب البنكي ولقطات شاشة المحادثات والأرقام التي تم من خلالها الاحتيال للمساعدة على التوصل للجناة.
كما نصح البوعينين الجميع بعدم مشاركة كلمة المرور لمرة واحدة (OTP) مع أي شخص، والتبليغ عن ذلك فورا وحظر أي رقم يقوم بالاتصال أو إرسال رسائل ذات دلالة احتيالية وذلك لتجنب الوقوع في هذا النوع من الجرائم.
بدوره، يؤكد المهندس التميمي على أهمية التوعية لمواجهة أخطار الاحتيال الإلكتروني، ويدعو إلى تضافر كافة جهود المؤسسات المجتمعية المعنية، لتعزيز الوعي بمخاطر العالم الرقمي، وبناء قدرات الأفراد والمؤسسات في هذا المجال.
وتابع التميمي: "علينا التعرف على أساليب الاحتيال، والتحقق بما نتلقاه من رسائل، وفيديوهات أو صور أو اتصالات، وتنمية الحس النقدي تجاه الرسائل والمواقع الإلكترونية، وتعزيز ثقافتنا الرقمية، ونكون على يقين تام بأن الذكاء الاصطناعي لا حدود له وعلينا التحلي باليقظة الدائمة ونحن نتعامل مع تقنيات العصر".
وعن مواجهة الاحتيال العابر للحدود، يشدد الدكتور شقفة على أن مواجهته تتطلب جهدا إقليميا ودوليا مشتركا، وقال إن دول الخليج تصنف في قائمة الدول الأفضل عالميا في مواجهة جرائم الاحتيال الإلكتروني والحد منها في ضوء بنيتها التحتية الرقمية المتقدمة.